فقال عبد الله بن مصعب: إن عبد الله بن الزبير طلب أمرا فأدركه، وإنّ الحسن باع الخلافة من معاوية بالدراهم، أتقول هذا في عبد الله بن الزبير وهو ابن صفية بنت عبد المطلب «1» ؟.
فقال يحيى: يا أمير المؤمنين، ما أنصفنا أن يفخر علينا بامرأة من نسائنا وامرأة منا، فهلا فخر بهذا على قومه من النّوبيات والأساميات والحمديات! فقال عبد الله بن مصعب: ما تدعون بغيكم علينا وتوثبكم في سلطاننا؟.
فرفع يحيى رأسه إليه، ولم يكن يكلّمه قبل ذلك، وإنما كان يخاطب الرشيد بجوابه لكلام عبد الله، فقال له: أتوثبنا في سلطانكم؟ ومن أنتم- أصلحك الله- عرفني فلست أعرفكم؟.
فرفع الرشيد رأسه إلى السقف يجيله فيه ليستر ما عراه من الضحك ثم غلب عليه الضحك ساعة، وخجل ابن مصعب.
ثم التفت يحيى فقال: يا أمير المؤمنين، ومع هذا فهو الخارج مع أخي على أبيك «2» والقائل له «3» :
إن الحمامة يوم الشعب من دثن «4» ... هاجت فؤاد محب دائم الحزن
إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا ... بعد التدابر والبغضاء والأحن
حتى يثاب على الإحسان محسننا «5» ... ويأمن الخائف المأخوذ بالدّمن
وتنقضي دولة أحكام قادتها ... فينا كأحكام قوم عابدي وثن
فطالما قد بروا بالجور أعظمنا «6» ... بري الصناع قداح النّبع بالسّفن
قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا ... إن الخلافة فيكم يا بني الحسن «7»