إن قام قعدتم، وإن قعد قمتم، وإن تقدّم تأخّرتم، وإن تأخّر تقدمتم، خلافا عليه وعصيانا لأمره، حتى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم الله بخذلانكم إيّاه، أيّ عذر لكم في الهرب عن عدوكم، والنكول عمّن لقيتم وقد عبّروا خندقكم؟ وعلوا قبائلكم؟
ينتهبون أموالكم ويستحيون حريمكم، هيهات لا عذر لكم إلّا العجز والمهانة، والرضا بالصغار والذلة، إنما أنتم كفيء الظل، تهزمكم الطبول بأصواتها، ويملأ قلوبكم الحرق بسوادها، أما والله لأستبدلن بكم قوما يعرفون الله حق معرفته، ويحفظون محمدا في عترته. ثم قال:
ومارست أقطار البلاد فلم أجد ... لكم شبها فيما وطئت من الأرض
خلافا وجهلا وانتشار عزيمة ... ووهنا وعجزا في الشدائد والخفض
لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة ... فلا عنكم راض ولا فيكم مرضي
سأبعد داري من قلى عن دياركم ... فذوقوا إذا ولّيت عاقبة البغض
فقامت إليه جماعة من أهل الكوفة فقالوا: ما أنصفتنا في قولك، ما أقدمت وأحجمنا، ولا كررت وفررنا، ولا وفيت وغدرنا، ولقد صبرنا تحت ركابك، وثبتنا مع لوائك، حتى أفنتنا الوقائع، واجتاحتنا «1» ، وما بعد فعلنا غاية إلّا الموت، فامدد يدك نبايعك على الموت، فو الله لا نرجع حتى يفتح الله علينا أو يقضي قضاءه فينا.
فأعرض عنهم، ونادى في الناس بالخروج لحفر الخندق، فخرجوا فحفروا وأبو السرايا يحفر معهم عامة النهار، فلما كان الليل خرج الناس من الخندق وأقام إلى الثلث الأول من الليل، ثم عبأ بغاله وأسرج خيله، وارتحل هو ومحمد بن محمد بن زيد، ونفر من العلويين والأعراب، وقوم من أهل الكوفة، وذلك في ليلة يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة مضت من المحرم «2» فأقام بالقادسية ثلاثا حتى تتام أصحابه، ثم مضى على خفان وأسفل الفرات حتى صار على طريق البر.
ووثب بالكوفة أشعث بن عبد الرحمن الأشعثي فدعا إلى هرثمة.
وخرج أشراف أهل الكوفة إلى هرثمة فسألوه الأمان للناس فأجابهم إلى ذلك وتألفهم.
ودخل المنصور بن المهدي الكوفة، وأقام هرثمة خارجها، وفرق عسكره حوالي