خندقها وأبوابها خوفا من حيلة، وخطب المنصور بن المهدي بالناس فصلى بهم.
وولّى هرثمة غسان بن الفرج «1» الكوفة وأقام هو أياما بظهر البلد، حتى أمن الناس وهدأت قلوبهم من وحشة الحرب، ثم ارتحل إلى بغداد.
قالوا:
ومضى أبو السرايا يريد البصرة، فلقيه أعرابي من أهل البلد، فسأله عن الخبر وأعلمه غلبة السلطان عليه وإخراج عماله عنه، وأن المسودة في خلق كثير لا يمكنه مقاومتهم منها، فعدل عنها وأراد المسير نحو واسط فأعلمه الرجل أن صورة أمرها مثل ما ذكر له عن البصرة، فقال له: فأين ترى؟.
قال: أرى أن تعبر دجلة فتكون بين جوفي والجبل، فيجتمع معك أكرادهم ويلحق بك من أراد صحبتك من أعراب السواد وأكراده، ومن رأى رأيك من أهل الأمصار والطساسيج فقبل أبو السرايا مشورته، وسلك ذلك الطريق، فجعل لا يمرّ بناحية إلّا جبى خراجها وباع غلاتها.
ثم عمد إلى الأهواز حتى صار إلى السوس، فأغلقوا الباب دونه، فنادى:
افتحوا الباب، ففتحوا له فدخلها. وكان على كور الأهواز الحسن بن علي المأموني «2» فوجه إلى أبي السرايا يعلمه كراهيته لقتاله ويسأله الانصراف عنه إلى حيث أحب، فلم يقبل ذلك، وأبى إلّا قتاله، فخرج إليه المأموني فقاتله قتالا شديدا.
وثبتت الزيدية تحت ركاب محمد بن محمد بن زيد، وثبت العلويون معه فقتلت منهم عدة، وخرج أهل السوس فأتوهم من خلفهم، فخرج غلام أبي السرايا ليقاتلهم فظن القوم أنها هزيمة فانهزموا، وجعل أصحاب المأموني يقتلونهم، حتى أجنهم الليل فتفرقوا وتقطعت دوابهم.
ومضى أبو السرايا حتى أخذ على طريق خراسان، فنزلوا قرية يقال لها: برقانا.
وبلغ حمّاد الكندغوش «3» خبرهم، وكان يتقلد تلك الناحية، فوجه إليهم خيلا، ثم