الرّوح» «1» وكان محدثا حسن الحديث، بليغ العبارة رشيق اللفظ، وكان أكثر حديثه يدور حول مذاكرة الأدب ومقابسة العلوم لكثرة من يغشى مجالسه من العلماء والأدباء والندماء كالصاحب ابن عباد «2» وأبي إسحاق الصابي «3» والقاضي التنوخي «4» ، وابن سكّرة الهاشمي «5» ، وأبي القاسم الجهني «6» ، وأبي النجيب الجزري «7» ، وأبناء المنجم «8» ، وكان أبو الفرج يجول في هذه المجالس ويصول يقص ويروي وينقد ويتندّر وينثر من أدبه ويفيض من علمه فكان مجلس المهلبي من أسباب نباهة شأنه وشيوع ذكره، كما كان بر المهلبي من أسباب رفاهية عيشه وتفرغه للعلم والأدب، ولكنه مع ذلك لم يخل من هجوه وكان يعلم أنه يهجوه سرا فطلب إليه وقد سكرا ذات ليلة أن يهجوه جهرا في قصة نطويها كما يطوي بساط السلاف بما فيه، وقد رأى أبو الفرج منه بعض ما يكره فظن أنه رمى به من حالق، بعد أن أنعم عليه الخالق، فقذفه بهذين البيتين:
أبعين مفتقر إليك رأيتني ... بعد الغنى فرميت بي من حالق
لست الملوم أنا الملوم لأنّني ... أملت للإحسان غير الخالق
يومىء أبو الفرج إلى ما كان من فقر الوزير أيام كان يشتهي اللحم ولا يقدر على ثمنه فيتمنى الموت ويقول:
ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي ... يخلصني من العيش الكريه
إذا أبصرت قبرا من بعيد ... وددت لو انّني مما يليه
ألا رحم المهيمن نفس حرّ ... تصدق بالوفاة على أخيه
وتفعل هذه الإشارة فعلها في نفس المهلبي ولكنه يذكر إحسان الخالق إليه وأنه أصبح وزيرا رافه العيش «إذا أراد أكل شيء مما يتناول بالملعقة كالأرز