سبيطلة "28هـ". ولم يكد الجيش يحط برحاله في هذا الإقليم حتى تسامع المسلمون بوصول جيش بيزنطي "أسطول بحري" إلى إفريقية، قوامه ثلاثون ألف مقاتل، أرسله الإمبراطور البيزنطي، بقيادة أحد البطارقة يدعى "نقفور" ونزل في منطقة "الساحل" الواقعة بين "سوسة" و"سفاقس" "راجع الخريطة". فتقدم ابن حديج نحوهم، وعسكر في مكان بالقرب من جبل "القرن"، ومنه أرسل جيشا كثيفا بقيادة عبد الله بن الزبير للتصدي لجيش الوم، فتقدم للقائهم، وناوشهم مناوشة خفيفة تقهقروا بعدها إلى "سوسة"، ثم أقلعوا في البحر إلى "صقلية" منهزمين، واستولى المسلمون على المدينة. ثم أرسل ابن حديج سرية أخرى في ألف فارس بقياس عبد الملك بن مروان -وكان في التاسعة عشرة من عمره- إلى "جلولاء"[1] فحاصرها وفتحها عنوة. ثم قاد هو بنفسه حملة إلى "بنزرت" -على الساحل الشمالي بالقرب من "قرطاجنة" فافتتحها. "ومن الغريب -كما يقول د. حسين مؤنس- أنه لم يقصد قرطاجنة عاصمة إفريقية البيزنطية، وكانت معروفة للعرب إذ ذاك فلا يقال إنه جهلها. وربما كان السبب في ذلك أنه تهيب حصارها، لما كان معروفا عنها من المنعة والقوة. ولا نزاع في أنه أخطأ بذلك خطأ كبيرا، فلو أنه وجه جهوده نحو قرطاجنة لخطا بفتح إفريقة خطوة كبرى، لا شك في أهميتها، لكنه انصرف إلى منياء لا أهمية له -وهو "بنزرت"، ولم يكن لسقوطه أي أثر في فتح هذه البلاد"[2].
ولذا لا نستطيع اعتبار أعمال معاوية بن حديج فتوحا؛ لأن الضربات السريعة لا تعتبر فتوحا، ولا تنشأ عنها فتوح. وحملته هذه ما هي إلا إحدى المقدمات التي سبقت الفتح الحقيق الذي ستبدأ أولى حلقاته على يد طالت خبرته بـ إفريقية وأهلها، فعرف السبيل الصحيح لتثبيت أقدام المسلمين في بلاد المغرب، ألا وهو عقبة بن نافع الفهري. [1] جلولاء -أو جلولة- مدينة كبيرة وحصن بيزنطي قديم، وتقع على مقربة من "القيروان" الحالية، تبعد عنها أربعة وعشرين ميلا -راجع "وصف إفريقية" ص"31-32"، وهو منتزع من كتاب "المسالك والممالك" لأبي عبيد البكري -وراجع: فتح العرب للمغرب، للدكتور حسين مؤنس ص"123". [2] فتح العرب للمغرب ص"125". وراجع عن العمليات الحربية التي قام بها معاوية بن حديج في إفريقية: فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم ص"192-194"، البيان المغرب "1/ 15-18"، الكامل لابن الأثير "2/ 485"، صفة إفريقية "من المسالك والممالك للبكري" ص"34-35"، ص"58".