يتخذ هذا الموضوع مركزا لأعماله يستطيع أن يرى العدو من بعيد، ويتحرز من الغارات المفاجئة الكثيرة الحدوث عند البربر، وإذا أراد أن يطاردهم إلى هضابهم وجد الطريق مفتوحة أمامه ... "[1].
وقد عمرت "القيروان" بمختلف الأبنية، وقامت فيها الأسواقن وأمها الناس من جميع الجهات، وعظم قدرها جدا، وقدر لها أن تصبح من أكثر المراكز الإسلامية بركة على الإسلام وأهله، وتحولت بسرعة إلى قاعدة سياسية ودينية وفكرية للإسلام في إفريقية. ولعل دعوة عقبة بن نافع قد استجيبت حينما دعا لهذه المدينة بعد اكتمالها بأن تكون عزا للإسلام وموئلا للعلم والعلماء فقال: "اللهم املأها فقها، وأعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك، وذلا على من كفر بك، وأعز بها الإسلام، وامنعها من جبابرة الأرض"[2].
أنفق عقبة في تخطيط المدينة وبنائها أربع سنوات كاملة دون أن ينصرف إلى عمل آخر من أعمال الفتوح، باستثناء بعض السريا التي كان يرسلها إلى المناطق المجاورة[3]. وقد أبدى بعض المؤرخين دهشتهم من أن المسلمين أنفقوا هذا الوقت الطويل مطمئنين من هجوم الروم عليهم، مع أن "قرطاجنة" -عاصمة الروم- لم تكن تبعد عن "القيروان" أكثر من مسيرة ثلاثة أيام. وقد عللوا ذلك بأن الروم كانوا -إذ ذاك في شغل عن "إفريقية" وغيرها من ولاياتهم بمدافعة هجمات المسلمين- في الشرق -على القسطنطينية وبعض جزر البحر المتوسط القريبة منها، خلال السنوات من "49هـ" إلى "54"[4]، فانقطعت الأمداد عن الروم بإفريقية طوال هذه المدة وعدة سنوات بعدها[5]. [1] نقلا عن "فتح العرب للمغرب" لحسين مؤنس ص"143". [2] طبقات علماء إفريقية لأبي العرب تميم ص"56". وراجع ما ذكره أبو عبيد البكري في وصف القيروان ومسجدها الجامع في "المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب" "مستخرج من كتابه: المسالك والممالك" -ص "22-27". [3] راجع: الكامل لابن الأثير "3/ 320". [4] راجع: تاريخ البحرية الإسلامية في مصر مصر والشام ص"21-24"، ص"31-33". [5] فتح العرب للمغرب -لحسين مؤنس، ص "145".