ومستعطفا له، وسأله المسالمة والنزول على حكمه، فقبل منه عقبة واجتمع به وأقره على بلاده. ويبدو أن عقبة كان يتطلع إلى فتح الأندلس، فاستفهم من "يليان" عن حالها، فأمده بالمعلومات عن حكامها "القوط"[1]، ولفت نظره إلى عدم التفكير في فتحها، "وعظم عليه أمرها" وقال له: "قد تركت الروم وراء ظهرك، وما أمامك إلا البربر، لم يدخلوا في دين النصرانية ولا غيرها، ومعظهم المصامدة"[2].
وعلى إثر هذه المشورة انحذر عقبة إلى جنوب المغرب الأقصى، حيث مواطن "صنهاجة" الملثمين وهو يومئذ وثنيون لم يدينوا بالنصرانية، فبدأ "بالسوس الأدنى"، ووصل إلى "وليلى" على مقربة من الموضع الذي ستقام فيه مدينة "فاس"، واستمر في مغامرته الكبرى حتى وطئت جيوشه أرس السوس الأقصى، وانتهى إلى جنوب المدينة الحالية المعروفة باسم "أغادير"، وتقع على مصب وادي السوس الذي يصب في المحيط. وهناك وقع المشهد التاريخي الشهير الذي حدثتنا عنه كتب التاريخ، وهو مشهد عقبة يدخل بفرسه في مياه المحيط الأطلسي حتى وصل الماء إلى تلابيبه، ويشهد الله على أنه وصل براية الإسلام إلى آخر المعمورة، ويقول: "يا رب لولا أن البحر منعني لمضيت في البلاد إلى مسلك ذي القرنين، مدافعا عن دينك، مقاتلا من كفر بك"[3].
بهذا يكون عقبة بن نافع قد أتم فتح بلاد المغرب، ونجح في التغلب على كل الجموع التي تصدت له، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الفتح بصورة كاملة تقريبا.
استشهاد عقبة في طريقة العودة إلى القيروان:
وفي غمرة هذا النصر المبين يهرب "كسيلة بن لمرم" القائد البربري الذي أسلم على يد "أبي المهاجر دينار"، وأسلمت معه قبيلته "اوربة" وكان عقبة قد اصطحبه -وأبا المهاجر- في غزوته تلك، وأشرك معه جموعا من البربر المسلمين، وتذكر [1] راجع عن القوط في الأندلس، ص" ". [2] البيان المغرب "1/ 26"، والمصامدة: هم قبائل "مصمودة" البربرية. [3] البيان المغرب "1/ 27"، وراجع: الكامل لابن الأثير "3/ 451". والعبر لابن خلدون "6/ 107".