ثم دعا الناس إلى الإسلام، وقد ذكرنا أول من أسلم في أبى بكر، وعلى، وزيد بن حارثة، واستجاب له نفر من الناس سرا حتى كثروا فظهر أمرهم، والوجوه من كفار قريش غير منكرين لما يقول، وكان إذا مر بهم يقولون: «إن محمدا يكلم من السماء» فلم يزالوا كذلك، حتى أظهر عيب آلهتهم، وأخبرهم أن آباءهم ماتوا على الكفر والضلال، وأنهم في النار، فعادوه وأبغضوه، وآذوه، وكان أصحابه إذا صلوا انطلقوا إلى الأودية وصلوا سرا، ولما أظهرت قريش عداوته حدب عليه أبو طالب عمه ونصره ومنعه، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خاف كفار قريش، اختفى هو ومن معه في دار الأرقم بن أبى الأرقم المخزومي إلى أن أسلم عمر فخرجوا، ووثبت قريش على من فيها من المستضعفين فعذبوهم، وذكرنا ذلك في أسمائهم مثل: بلال، وعمار، وصهيب وغيرهم، ثم إن المسلمين هاجروا إلى الحبشة هجرتين عَلَى ما نذكره، إن شاء اللَّه تَعَالى، وأرادت قريش قُتِلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن يترك أبو طالب بينهم وبينه، فلم يفعل فكتبوا صحيفة. على أن يقاطعوا بنى هاشم وبنى المطلب ومن أسلم معهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجلسوا إليهم عَلَى ما نذكره، إن شاء اللَّه تَعَالى.
ذكر وفاة خديجة وابى طالب وذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وعوده
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زالت قريش كاعة [1] عنى حتى مات عمى أبو طالب» . وفي السنة العاشرة أول ذي القعدة وقيل: النصف من شوال توفى أبو طالب وكان عمره بضعا وثمانين سنة، ثم توفيت بعده خديجة بثلاثة أيام، وقيل بشهر، وقيل: كان بينهما شهر وخمسة أيام، وقيل: خمسون يوما ودفنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالحجون [2] ، ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ، وقيل: إنها ماتت قبل أبى طالب وكان عمرها خمسا وستين سنة، وكان مقامها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوجها أربعا وعشرين سنة وستة أشهر، وكان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف، وقيل: قبل الهجرة بسنة، والله أعلم.
قال عروة: ما ماتت خديجة إلا بعد الإسراء، وبعد أن صلت الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم، ولما اشتد بأبي طالب مرضه دعا بنى عبد المطلب فقال: إنكم لن تزالوا بخير ما سمعتم قول محمد واتبعتم أمره فاتبعوه وصدقوه ترشدوا.
أخبرنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: ثم إن خديجة وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب، وكانت خديجة وزير صدق على الإسلام، وكان يسكن إليها [3] ، ولم يتزوج عليها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ماتت.
ولما توفيا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لثلاث بقين من شوال سنة عشر من المبعث، ومعه مولاه زيد بن حارثة، يدعوهم إلى الإسلام فآذته ثقيف وسمع منهم ما يكره، وأغروا به سفهاءهم، وذكرنا القصة في «عداس» وغيره، ولما عاد من الطائف أرسل إلى المطعم بن عدي يطلب منه أن يجيره، [1] كع: جبن. [2] جبل بمعلاة مكة. [3] في شرح السيرة 1- 416: «وزير صدق على الإسلام، يشكو إليها» [أسد الغابة- كتاب الشعب]