نام کتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور نویسنده : زينب فواز جلد : 1 صفحه : 56
قثم. فلما فاز معاوية بعد تحكيم الحكمين بعث بالضحاك بن قيس, وبسر بن أرطأة بجيش وأمرهما أن يقتلا كل من كان من شيعة على بن أبي طالب حتى الأطفال والحرم فذهب بسر إلى اليمن وكان عبيد الله بن العباس عاملا هناك فلما لم يجده أغار على بيته فعثر بولديه المذكورين فذبحهما بشفرة كانت معه فجزعت أمهما عليهما جزعا شديدا, وخالط عقلها تطوف الأحياء وتقصد المنتديات في المواسم وحيثما رأت مجتمعا رفعت صوتا يقطعه البكاء وتنشد مراثي يرق لها الجلمود ومن مراثيها قولها:
يا من أحس بابني اللذين هما ... كالدرتين تشظى عنهما الصدف
يا من أحس بابني اللذين هما ... سمعي وقلبي فقلبي اليوم مردهف
يا من أحس بابني اللذين هما ... مخ العظام فمخي اليوم مختطف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا
أنحى على ودجي ابني مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإفك يقترف
حتى لقيت رجالا من أرومته ... شم الأنوف لهم في قولهم شرف
فالآن ألعن بسرا حق لعنته ... هذا لعمر أبي بسر هو السرف
من دل والهة حرى مولهة ... على حبيبين ضلا إذ غدا السلف
فكان كل من يسمعها تنفجر منابع عينيه حزنا عليها وتنفطر صفاة قلبه رثوا إليها فسمعها يوما يماني ذو نفس أبية ونخوة جاهلية, فذهب إلى بسر وتلطف بالتزلف إليه حتى وثق به فخرج يوما بولديه إلى وادي أوطاس وقتلهما ثم فر وأنشد:
يا بسر بسر بني أرطاة ما طلعت ... شمس النهار ولا غابت عن الناس
خير من الهاشميين اللذين هما ... عين الهدى وصمام إلا سوق القاسي
ماذا أردت إلى طفلي مولهة ... تبكي وتنشد من أثكلت في الناس
أما قتلتهما ظلما فقد شرفت ... من صاحبيك قناتي يوم أوطاس
فاشرب بكأسهما ثكلا كما شربت ... أم الصبيين أو ذاق ابن عباس
ومن قولها أيضا:
ألا يا من سبى الأخوي ... ن أمهما هي الثكلى
تسائل من رأى ابنيها ... وتستسقي فما تسقى
فلما استيأست رجعت ... بعبرة واله حرى
تتابع بين ولولة ... وبين مدامع تترى
وقيل: إنه لما بلغ علي بن أبي طالب قتل "بسر" الصبيين جزع لذلك جزعا شديدا ودعا على "بسر" بقوله: اللهم اسلبه دينه ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلب عقله. فأصابه ذلك, وفقد عقله وكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب, ويجعل بين يديه زق منفوخ, فلا يزال يضربه حتى يسأم.
وقيل: دخل عبيد الله بن العباس على معاوية بن أبي سفيان وعنده بسر بن أرطأة فقال له عبيد الله: أنت قاتل الصبيين أيها الشيخ؟ قال: نعم, أنا قاتلهما. فقال عبيد الله: لوددت أن الأرض كانت أثبتتني عنك.
قال: فقد أثبتتك الآن عندي فقاما فقال عبيد الله: ألا سيف. فقال له "بسر": هاك سيقي فلما أهوى عبيد الله إلى السيف ليتناوله أخذه معاوية ثم قال ل "بسر" أخزاك الله شيخا, قد كبرت وذهب عقلك وذاك رجل من بني هاشم قد وترته وقتلت ابنيه تدفع إليه سيفك إنك لغافل عن قلوب بني هاشم والله لو تمكن منه لبدأ بي قبلك. قال عبيد الله: أجل والله, وكنت أثني به.
نام کتاب : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور نویسنده : زينب فواز جلد : 1 صفحه : 56