فرفعه الله تعالى وهو ابن أربعمائة سنة وخمس سنين وكان الناس من آدم إلى إدريس أهل ملة واحدة متمسكين بالإسلام وتصافحهم الملائكة فلما رفع إدريس اختلفوا وفتر الوحي إلى أن بعث الله تعالى نوحا فكان نوح [1] يعني يوم بعث أربعمائة سنة وثمانين سنة فتر الوحي فيما بين إدريس ونوح [2] مائة سنة وكانت نبوة نوح ألف سنة إلا خمسين عاما وعمر بعد الغرق خمسين عاما ويقال مئتي [2] والله تعالى أعلم وكان سام بن نوح بعدما مات نوح ابن [2] مائة سنة وعاش بعده مائتي سنة وكان بين نوح وهود ثمانمائة سنة وعاش هود أربعمائة وأربع وستين سنة وكابين هود وصالح مائة سنة وعاش صالح ثلاثمائة سنة إلا عشرين عاما وكان بين صالح وإبراهيم ستمئة سنة وثلاثون سنة وعاش إبراهيم [4] مائة سنة وخمسه وسبعين سنة وقال بعض هؤلاء المسمين مائتي سنة وعاش إسماعيل مائة سنة وتسعة وثلاثين وعاش إسحاق مائة سنة وثمانين سنة وعاش يعقوب بن إسحاق مائة سنة وتسعة وأربعين سنة وكان بين موسى وإبراهيم سبعمائة سنة وكانت الأنبياء بين موسى وعيسى متواترة وكذلك بين نوح إلى موسى متواترة يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة المؤمنين من بعد قصة نوح " ثم أرسلنا رسلنا تترا " بعضها على إثر بعض " كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا " إلى قوله " ثم أرسلنا " من بعدهم " موسى وهارون " [5] فمن زعم أنه يعلم عدتهم وأسمائهم فقد كذب لأن الله تعالى يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام " منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك " [6] وكان بين موسى وعيسى وعن [7] إسحاق قال ابن سمعان عن مكحول عن كعب ستمائة قال إسحاق وكذلك قاله إدريس عن ضمرة عن وهب قالا أنا إسحاق وأنبأنا جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس خمسمائة سنة والله تعالى أعلم أي ذلك كان [1] بالاصل " نوحا " [2] عن مختصر ابن منظور [1] / 27
(3) بياض بالاصل وما أثبت عن مختصر ابن منظور [1] / 27 [4] ما بين معكوفتين زيادة عن المخطوطة الخزانة العامة [5] سورة المؤمنون " 44 - 45 [6] سورة المؤمن الاية - 45 [7] عن هامش الاصل ومكانها في مخطوطة الخزانة العامة بياض
ويتحدث الحافظ في مقدمته عن كتابه وعمله ونهجه فيه فقال: أما بعد فإني كنت بدأت قديما بالاعتزام لسؤآل من قابلت سؤاله بالامتثال والالتزام على جمع تاريخ لمدينة دمشق أم الشام حمى الله ربوعها من الدثور والانفصام وسلم جرعها من كيد قاصديهم بالاختصام فيه ذكر من حلها من الاماثل والاعلام فبدأت به عازما على الانجاز له والاتمام فعاقت إنجازه واتمامه عوائق الايام من شدة الخاطر وكلال الناظر وتعاقب الآلام
فصدقت عن العمل به برهة من الاعوام حتى كثر علي في اهماله وتركته لوم اللوام وتحشيم من تحشيمه سبب لوجود الاحتشام وظهر ذكر شروعي فيه حتى خرج عن حد الاكتنام وانتشر الحديث فيه بين الخواص والعوام وتطلع الى مطالعته أولو النهى وذوو الاحكام ورقى خبر جمعي له إلى حضرة الملك القمقام [1] الكامل العادل الزاهد المجاهد المرابط الهمام أبي القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ناصر الامام أدام الله ظل دولته على كافة الانام وأبقاه مسلما من الاسواء منصور الاعلام منتقما من عداة المسلمين الكفرة الطغام معظما لحملة الدين بإظهار الاكرام لهم والاحترام منغما عليهم بإدرار الاحسان إليهم والانعام عافيا عن ذنوب ذوي الإساءات والاجترام بانيا للمساجد والمدارس والاسوار ومكاتب الايتام راضيا بأخذ الحلال رافضا لاكتساب الحطام آمرا بالمعروف زاجرا على ارتكاب الحرام ناصرا للملهوف وقاهرا للظالم العسوف بالانتقام قامعا لأرباب البدع بالابعاد لهم والارغام خالعا لقلوب الكفرة بالجراة عليهم والاقدام وبلغني تشوقه الى الاستنجاز له والاستتمام ليلم بمطالعة ما تيسر منه بعض الإلمام فراجعت العمل فيه راجيا الظفر بالتمام شاكرا لما ظهر منه من حسن الاهتمام مبادرا ما يحول دون المراد من حلول الحمام مع كون الكبر مظنة العجز ومطية الاسقام وضعف البصر حائلا دون الاتقان له والاحكام والله المعين فيه بلطفه على بلوغ المرام
وانتهى من تصنيفه في مرحلته الاولى سنة 549 هـ وبلغ خمسمئة وسبعين جزءا ثم أخذ يزيد فيه ويضم إليه ما يستجد عنده حتى تمت نسخته الجديدة والمؤلفة من ثمانين مجلدا سنة 559 هـ [1] القمقام من الرجال السيد الكثير الخير الواسع الفضل (اللسان)