قد اعتلى مناكب المناقب، وامتطى غوارب المراتب، وحاز قصب السبق في اكتساب الشرف، وأصبح ابن بجدة العلوم، وكسدت بنتائج خواطره أسواق (الأدب) وصارت رسائله هدايا الوفود يسير بها ركب بعد ركب، وفرائد فوائده كالغيث المدرار نهل سكباً على سكب، وهو ما قنع من حقائق العلوم بمقذوذين من بري الفريخ، وما فضل مشهد الغلام على رأي الشيخ وشعب الفضائل بمكانه ملتئم، وسواه خال عقم، نعم ولولا أن عهدي بالنضال قديم، وأنا بأكناف عسيب لا بأكناف الحجاز مقيم ومن غير نظر في النجوم سقيم، لما أكربت العشاء إلى سهيل، ولهربت من دياري إلى جنابه هرب عديل. ولو كان الليل طويلاً وكنت مقمراً لقصدت قبلة إقباله حاجاً ومعتمراً، وحصلت غايات المنى، فإن مناخ الركب منى وهو بحمد الله صدر أفاضل خوارزم وخراسان، وبين صناديد الأفاضل كآل جفنة بين آل غسان، يقرأ الأماثل من صحائف لطائفه سور الكرم، ويعين الأفاضل في وذائل فضائله صور الحكم، والأرض مع سهولها ووعورها لمن قصد حضرته ذلول، وبسبب عوارفه دنا من داره الحزن ممن داره صول.
وقد ذكرت طرفاً من حكمه وفوائده في المجلد الرابع من كتاب مشارب التجارب وغرائب الغرائب في التاريخ.
الإمام ظهير الدين عبد الجليل
بن عبد الجبار الإمام المفتي أبوه وعمه إمامان من فحول الأئمة، وقد زجى في تحصيل أجزاء الحكمة عمره، وساعدته العلوم الرياضية مساعدة جميلة، مع أنه فاز من المعقولات بحظ وافر، وله أخلاق مهذبة، وزمانه موقوف على الإفادة والإستفادة، والعمل الصالح والرياضة، وتلاوة القرآن، وستظهر من فضله آثار إن شاء الله تعالى.
الحكيم أبو سعيد محمد بن علي المتطبب
المعروف أبوه بالحكيم علي الطحان كان بيهقي المنشأ ونيسابوري المولد، وله طبع وقاد، وتصانيف كثيرة، وزجى أيامه ببلخ، وتوفي بها في شهور سنة ست وثلاثين وخمسمائة (ومن) قوله في بعض تصانيفه: إن كثرت التصانيف في الصناعات الطبية مبسوطة ومختصرة، فلكل جامع نظم وترتيب مفرد وكل مجموع لا يخلو عن فؤاد غريبة ونكت عجيبة ولكل واحد غرض صحيح ليس لسواه.
وقال أيضاً: الله تعالى نسق الكون ورتبه أحسن تنسيق ترتيب، وركب الأجسام من مباديها أفضل تركيب.
وقال في مبادي كتابه في البواسير: من ساعده حسن وفطرة، وذكاء فطنة، ورغبة في اقتناء الفضائل، واقتباس الفوائد، وابتلي ببعض الأمراض المزمنة وطالت معالجته إياها، واتصلت التجارب بما عنده من فتاويهم، وكان له معرفة بأحوال مزاجه الأصلي والعارضي الغريب، وطباع الأغذية التي يتناولها علم ثم ظفر بتصنيف جامع خاص بمداواة علته أمكنه أن يشتغل ببعض تدبير مزاجه، والإحتراز أن تزيد عارضته، مع أنه لا يأمن الخطأ والزلل، فإن لم تكن الصناعة له ملكة، فقلما يتيسر له التصرف فيها.
ثم قال: من العلل ما لايمكن الإستغناء فيها عن الطبيب الحاضر المراقب، لظهور العلامات الدالة على ما تحتاج الطبيعة إليه من معاونته ومعالجته والمبادرة إلى تدبير ما يحدث بالمريض ساعة فساعة، وأما العلل الحادة فتأليف الكتب فيها غير محمود إلا للطبيب.
وله أشعار كثيرة فصيحة ذكرت طرفاً منها في تصنيفي المعنون بدرة الوشاح، أعني تتمة وشاح دمية القصر.
الإمام الفيلسوف علي بن شاهك القصاري
الضرير البيهقي أصابه الجدري وهو ابن تسع سنين فعمي، وتعلم القرآن وحفظه، ثم حفظ أصول الأدب وفروعه، وبالغ في تحصيل النحو وعلله، ثم حفظ الأدعية الكثيرة والأخبار، ثم اشتغل بتحصيل الحكمة بلا مرشد ولا أستاذ. وكان يقرأ عليه واحد فصلاً من المنطق، وهو يحفظه ويكرره ويتفكر فيه حتى يقف على حقائقه، فحصل المنطق والطبيعي والإلهي. ثم اشتغل بتحصيل الرياضيات، ويقرأ واحد عليه شكلاً، وهو يحفظه ويتخيله، حتى يحصل له المقصود، ثم اشتغل بعد ذلك بالأعمال النجومية فكان يستخرج الطالع ويحسبه ويحفظه حتى يكتب المقصود واحد من المتصلين به.