ذو الوزارتين الكاتب أبو محمد بن عبد البر رحمه الله
بحر البيان الزاخر، وفخر الأوائل والأواخر، وواحد الأندلس الذي فاز بها بحظ الظهور، وحاز قصب السبق بين ذلك الجمهور، وامترى اخلاف أسعادها، وسقى صوب عهادها، واستقر في مراتب رؤسائها، استقرار الفلك عند أرسائها، إلا انه حصل في لهوات الأسد، وصار إلى موضع النفاق فكسد، وافي المعتضد بالله في طالع استوبله، ونحس استقبله، فكانت أيامه لديه حسرات، ولم تومض له فيها بروق مسرات، إلى إن لاذ بالفرار، وتخلص من يديه البدر من السرار، وأبوه أبو عمر هو كان سبب نجاته، وخروجه من لهواته، ولولاه لورد مشرع الحمام، وكرع في ماء الحسام، فقليلاً ما هم عباد فاقصر، ولا توهم إلا وكأنه أبصر، ولكن إمامة أبيه الشهيرة دفعت في صدر احتدامه، وشفعت له عند أقدامه، وقد أثبت له ما يتبين أنه سحر، ويتزين به للسناء نحر، فمن ذلك ما قاله في رجل مات مجذوما. رمل
مات من كنّا نراه أبداً ... سالم العقل سقيم الجسدِ
بحر سقم ماج في أعضائه ... فرمى في جلده بالزبدِ
كان نمثل السيف إلاّ أنّه ... حسد الدهر عليه فصدي
وله: كامل مجزوء
لا تكثرنّ تامّلا ... واحبس عليك عنان طرفك
فلربّما أرسلته ... فرماك في ميدان حتفك
وكتب إلى أحد أخوانه، وقد نال الدهر من أخماله وامتهانه، من صحب الدهر أعزك الله وقع في أحكامه، وتصرف بين أقسامه، من صحة وسقم، وغنا وعدم، وبعاد واقتراب، وانتزاح واغتراب، وانفق لي ما قد علمت من الانزعاج والاضطراب، والتغرب والإياب، لا والله ما جرى من حركاتي شيء على مرادي، واعتقادي، وإنما هياتها الأقدار، والأثار، وعند ورودي أعلمت بما أصابتك به صروف الأيام، من الامتهان والإيلام، فيعلم الله لقد ألمت نفسي وساء به أثر الزمان عندي، وقلت هذا عدل ما تهيأ من جلدي وبعدي، فقد جمعتنا حوادث الأيام وصروفها، وأن اختلفت انواعها وصنوفها، على أن الذي أصابك أثقل عبا، واعظم رزاء، والله يعظم أجرك ويجعل هذه الحادثة أخر