والروض يبعث بالنسيم كغنه ... أهداه يضرب لاصطباحك موعدا
سكران من ماء النعيم فكلّما ... غنّاه طائره وأطرب ردّدا
ياوي إلى زهر كانّ عيونه ... رقباء تقعد للأحبّة مرصدا
زهر يبوح به أخضرار نباته ... كالزَّهر أسرجها الظلام وأوقدا
ويبيت في فنن توهمّ ظلّه ... يمسي ويصبح في القرارة مرودا
قد خفّ موقعه عليه وربّما ... مسح النعيم بعطفه فتاوّدا
وله يتعزل: خفيف
حسب القوم أنّني عنك سالِ ... أنت تدري صبابتي ما أبالي
قمري أنت كلّ حين وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي
أنت كالشمس لم تغب لي ولكن ... حجبت ليلها حذار الملالِ
وله يتعزل أيضاً: منسرح
ظبي يموج الهوى بناظره ... حتى إذا ما رمى به أنبعثا
مبتدع الخلق لا كفاء له ... يعدّ شكوى صبابتي رفثا
أنكر سقمي وما قصدت له ... وما تعرّضت للهوى عبثا
أقسم في الحبّ أن أموت به ... فما قضى برّه ولا حنثا
تم القسم الثاني من قلائد العقيان ومحاسن الأعيان
المضمن غرر علية الوزراء، وفقر الكتاب البلغاء
القسم الثالث من قلائد العقيان، ومحاسن الأعيان
في لمع أعيان القضاة ... ولمح أعلام العلياء السراة
الفقيه القاضي أبو الوليد الباجي رحمة الله تعالى
بدر العلوم اللائح، وقطرها الغادي الرائح، وثبيرها الذي لا يزحم، ومنيرها الذي ينجلي به ليلها الأسحم، كان أمام الأندلس الذي تقتبس أنواره، وتنتجع أتجاده وأغواره، رحل إلى المشرق فعكف على الطلب ساهراً، وقطف من العلم أزاهرا، وتفنن في اقتنائه، وثنى إليه عنان اعتنائه، حتى غدا مملو الوطاب، وعاد بلح طلبه إلى الأرطاب، فكر إلى الأندلس بحر لا تخاض لججه، وفجرا لا يطمس منهجه، فتهادته الدول، وتلقته الخيل والخول، وانتقل من محجر إلى ناظر، وتبدل من يانع بناصر، ثم استدعاه المقتدر بالله فسار إليه مرتاحا، وبدا في أفقه ملتاحاً، وهناك ظهرت تواليفه وأوضاعه، وبدا وخده في سبل العلم وأيضاعه، وكان المقتدر يباهي بأنحياشه إلى سلطان، وإيثاره لحضرته باستيطانه، ويحتفل