قاسمني طرفك الصنا أفلا ... قاسم عيني ذلك الوسنا
أني وأن كنت هضبة جلدا ... اعتز للحسن لوعة غصنا
قسوت باسا ولنت مكرمة ... لم التزم حالة ولا سننا
لست أحب الجمود في رجل ... تحسبه من جموده وثنا
لم يكحل السهد جفنه كلفا ... ولا طوى جسمه الغرام ضنا
ممن عصى داعي الهوى فقسا ... وكان صلدا من الصفا خشنا
فلي فؤاد أرق من ظبة ... يابي الدنايا ويعشق الحسنا
طوراً منيب وتارة غزل ... يبكي الخطايا ويندب الدمنا
إذا اعترت خشية شكا فبكى ... أو أنتحت راحة دنا فجنا
كأنني غصن بأنه خضل ... تثنية ريح الصبا هنا وهنا
الأديب أبو محمد عبد الجليل بن وهبون المرسي رحمه الله تعالى
أحد الفحول، البريء من المطروق والمنحول، تفتحت كمآثم رويته عن زهر المعاني، وأبدت قصايده غرض المداري لها المعاني، فما يبين في معناه انحلال معاقد، ولا تلين قناته لغمز ناقد، مع أدب منساب، تفرّع من دوحتي روية واكتساب وكان بينه وبن ابن عمار ذمام تذكره لما أسهل، وأعاد معلماً ذلك المجهل، فأعلقه بدولته، وألحقه بجملته، ونفّقه بعد الكساد، وطوّقه من استخلاصه ما أغاظ به الحساد، وكان يعتقد تقدمه، ويعقد بنواصي الشعراء قدمه، إلا أنه مع تمييزه له بالأخطاء، وتجويره إياه عند الاقتضاء، لم يوصله عندالمعتمد إلى حظ، ولم ينله إلاكرة لحظ، فمن بديعه الحسن ومطبوعه المستحسن، أنه ركب بأشبيلية زورقاً في النهر الذي لا تدانيه السرات، ولا يضاهيه الفرات، في ليلة تنقبت بظلمتها، ولم يبد وضح في دهمتها، وبين أيديهم شمعتان قد انعكس شعاعهما في اللجة، وزاد في تلك البهجة، فقال مرتجلاً في الحين، [منسرح]
كأنما الشمعتان إذ سمتا ... جيد غلام محسن الغيدِ
وفي حشا النهر من شعاعهما ... طريق نار الهوى إلى كبدي
وكان معه غلام البكري معاطياً للراح، وجاريا في ميدان ذلك المراح، فلما جاء عبد الجليل بما جاء، وحلى للإبداع الجوانب والأرجاء، حسده على ذلك الارتجال،