نام کتاب : مسامرات الظريف بحسن التعريف نویسنده : السنوسي، محمد جلد : 1 صفحه : 185
أتاه في شهر رمضان خبر تجاسر أحد الأعراب على فلاحته بالسرقة فأتى به وسجنه فأرسل الأعرابي من السجن يشكو لوالده شيخ الإسلام الثاني فخرج والده فصادف ولده داخلاً وهو المفتي الثاني، فرام أن يقبل يده فمنعه من ذلك وصاح عليه كيف تظلم مسلماً في شهر رمضان فأخبر ولده بقصة ما صنع معه الأعرابي فلم يتريث الشيخ أن قال له وما تقول بين يدي الله إذا قال لك كيف تقضي لنفسك وهلا أرسلته للقاضي وترافعت معه كسائر آحاد المسلمين وأعرض عنه وقال له إني لا أسامحك حتى يحضر بين يدي الأعرابي ويعلمني بأنه سامحك فيما ظلمته به فخرج الشيخ وأرسل للأعرابي وأتى به واسترضاه ودخل به على والده ليعلمه بمسامحته إياه.
ولم يزل باراً بوالده إلى أن أدركت والده المنية فقدمه الأمير حسين باشا إلى خطة مشيخة الإسلام ونقابة الأشراف يوم السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1247 سبع وأربعين ومائتين وألف فزان الخطتين بعلمه وعمله، وبلغ به الفضل إلى غاية أمله، ماشئت من علم مسبوك بالسياسة الشرعية، وعمل يرضي الله ورسوله وأهل الشريعة المحمدية، ووقار تخر دونه الشم البواذخ، وكرم نفس وقدم على صراط التثبت راسخ، وحسن أخلاق عذبة المذاق، تجملت به الرئاسة، حين عطر بها أنفاسه، إذا خطب أبدع، وإذا تلا القرآن حن إليه كل من يسمع، وإن روى الحديث الشريف، أيد القلب الوجيف، وإن أملى دروس المعقول من بعد، خلت نفسك في حضرة السيد والسعد، وإن أملى الفقه والأصول، أبلغ سامعيه غاية المأمول، وإن نظم أو نثر، أراك كيف نثر الزهر وقلائد الدرر، شعره لطيف ونثره جيد.
وكتائبه العلمية محررة غاية التحرير قد كتب حاشية الفواكه البدرية لابن غرس فأبدع فيها ما شاء وقرظها عمه وتلميذه الشيخ مصطفى بيرم بقوله: [الكامل]
زارت وكانتْ للمتيّم سولا ... سحر التنجّزُ وعدها المسئولا
وتمنّعت من أن تنال بلحظة ... وأرى التمنع في الجميل جميلا
حسناءُ بنتُ معارفٍ لاحتْ على ... هامِ الزمان بحسنها إكليلا
فهي النتائج لا نظيرَ لجمعها ... جمعت لنا المعقول والمنقولا
سحّت على غرس (ابن غرس) فاغتدى ... لا يشتكي طولَ الزمان محولا
قد أنتجتها فكرةٌ من حدها ... تنسي لديها الصارم المصقولا
وأبان غرتها بياناً تحتوي ... لبيانها التشبيه والتمثيلا
ذاك الهمامُ محمدٌ من قد غدا ... عقد العويص بلفظه محمولا
العالم النحريرُ والحبرُ الذي ... يبدي لنا التحريم والتحليلا
قد بات في كل العلوم رئيسها ... وخبيرها بخبيّها المسؤولا
لو لم تكن بيني وبينه لحمة ... تعطي المكابر للعناد سبيلا
لأتيت بالإعراب عن أوصافه ... وإن اقتضى في مدحها التطويلا
والحقّ وضاحٌ وهل من طالب ... وسطَ النهار على الضياء دليلا
لازال في حرم وعزٍّ شامخ ... ما ماس غصن بالنسيم أصيلا
وكتب حاشية على شرح والده لمنار الأصول، وشرح رسالة إيساغوجي في المنطق شرحاً بديعاً أقرأناه بجامع الزيتونة مراراً، ولتحريره هممت بالكتابة عليه لإيضاح مقاصده غير أن القدر لم يساعد، وله غير ذلك من الرسائل، التي احتوت على أحسن المسائل.
ولم يزل في خدمة العلم الشريف إلى أن أتاه أجله فتوفي آخر ليلة الأربعاء الثامنة والعشرين من ربيع الأول سنة 1259 تسع وخمسين ومائتين وألف، ورثاه الشيخ الشريف محمود قابادو بقصيدة بديعة مثبتة في ديوانه قال في مطلعها: [الكامل]
الدهرُ حرب بالرزايا الفجّع ... وبنوه نهبٌ للمنايا الشرّع
ورثاه العالم الشيخ محمد بن سلامة بقصيدة قال في مطلعها: [الكامل]
الجوُّ مغبرُّ اكتسى بظلام ... لما هوى بدر العلوم السامي
ورثاه العالم الشيخ الطيب الرياحي بقصيدة قال في مطلعها: [الكامل]
جدتَ البلا أعلمتَ أمْ لمْ تعلما ... أن قد حويت سنا الشريعة بيرما
ورثاه العالم الشاعر الشيخ محمد الخضار بقوله: [الطويل]
ألا فجعَ الإسلام وارتجَّ جانبهْ ... ودجّت من الخطب المهول غياهبهُ
وضاق مجال الدين رحباً فطرقه ... كأن لم تكن مسلوكةً ومذاهبه
هوى نجم من زال العلا بكماله ... وما طالع إلا سيأفل غاربه
نام کتاب : مسامرات الظريف بحسن التعريف نویسنده : السنوسي، محمد جلد : 1 صفحه : 185