ومن مشايخي الشيخ عيسى المغربي بن محمد بن أحمد بن عامر جار الله، أبو مكتوم المغربي الجعفري الثعالبي الهاشمي، نزيل المدينة المنورة ثم مكة المكرمة، إمام الحرمين الشريفين، وعالم المغربين والمشرقين. ولد في مدينة زواوة بالمغرب، وحفظ بها المتون وعلوم العربية والمنطق والأصلين أخذ فقع المالكية عن الشيخ عبد الصادق، ثم رحل إلى الجزائر وأخذ بها عن الشيخ سعيد بن إبراهيم الجزائري المفتي الشهير بقدورة، وحضر درسه وروى عنه الحديث المسلسل بالأولية وتلقين الذكر ولبس الخرقة والمصافحة والمشابكة، ولازم دروس السلجماسي الأنصاري مدة تزيد على عشر سنين، وأخذ عنه البخاري والمواليد والمصطلح والشفا وشروحه والأصلين وعلوم العربية والتفسير والآداب والعروض، وأجازه مرات واستنابه في التدريس وزوجه ابنته، وتبعه في القراءة عليه شيخنا يحيى الشاوي، ودخل تونس وأخذ عن الشيخ زين العابدين وغيره، ولما دخل إلى قسطنطينية أخذ بها عن الشيخ عبد الكريم اللكوني. وحج في سنة اثنتين وستين وألف. وجاور سنة ثلاث وستين وألف ثم رحل إلى مصر. وأخذ عن الأجهوري وأحمد الخفاجي والشمس الشوبري وأخيه الشهاب والبرهان المأموني والشيخ سلطان والشبراملسي، وأجازوه بمروياتهم. ثم رحل إلى مكة، وأخذ عن أجلائها كتاج الدين المالكي وزين العابدين الطبري وغيرهم، ولازم الشمس البابلي، وكان يزور النبي صلّى الله عليه وسلّم كل سنة، ويتردد على الصفي أحمد القشاشي. ومكث بمكة سنين عزباً، وكانت أوقاته معمورة بالعبادة وانتفع به جماعات من العلماء منهم مولانا وشيخنا الملا إبراهيم الكوراني نزيل المدينة، والشيخ حسن العجيمي وأحمد النخلي وغيرهم. وله مؤلفات توفي يوم الأربعاء رابع عشري رجب سنة ثمانين وألف ودفن بالحجون عند قبر الأستاذ المشهور محمد بن عراق.
وقد اجتمعت به في حجرته المشرفة على الكعبة المشرفة وأجازني بسائر ما تجوز له روايته كالكتب الستة وغيراها سنة تسع وسبعين وألف.
الشيخ يحيى بن محمد الشاوي الجزائري
ومنهم الشيخ يحيى ابن الفقيه الصالح محمد بن محمد بن عبد الله بن عيسى أبو زكريا الشاوي الجزائري المالكي، المحدث المفسر الأصولي المنطقي المتكلم الجامع بين العلوم النافعة، مولده مليانة، قرأ على الشيخ محمد بن محمد ابن بهلول السعدي وغيره من أهل بلده، وأخذ عنهم الحديث والفقه والأصول وغيرها، وكانت له الحافظة العجيبة، ثم رحل إلى مصر سنة أربع وسبعين وألف وأخذ عن علمائها كالشيخ سلطان والبابلي والشبراملسي، ثم تصدر للإقراء في الأزهر، وقرأ بالأزهر فقه المالكية وبقية الفنون ثم رحل إلى الروم فمر على دمشق والقى فيها العلوم من الحديث والتفسير والتصوف وعلوم العربية من الدروس العامة والخاصة، وأقرأ في الديار الرومية من الدروس العامة والخاصة وفي سائر العلوم حتى بحضور السلطان محمد والمباحثة مع علماء الروم. وسافر في آخر أمره إلى الحج في البحر فمات هو في السفينة يوم الثلاثاء عشرين شهر رمضان سنة ست وتسعين وألف. وأراد الملاحون إلقاءه في البحر لبعد البر عنهم فقامت عليهم ريح شديدة قطعت شراع السفينة فقصدوا البر وأرسوا بمكان يقال له رأس أبي محمد فدفنوه به، ثم نقله ولده الشيخ الفاضل عيسى بعد بلوغ خبره إلى مصر ودفنه بها بالقرافة الكبرى بتربة السادات المالكية ووصل إلى مصر ولم يتغير جسده، واتفق أنه لما أرسل ولده بعض العرب ليكشف عنه القبر ويأتوا به إلى مصر تاهوا في قبره فإذا هم برجل يقول لهم: ما تريدون؟ قالوا: نريد قبر الشيخ يحيى فأراهم إياه فكشفوا عنه فوجوده بحاله لم منه شيء فوضعوه في تابوت فأتوا به مصر فدفنوه بتربة المالكية التي كان جددها ورممها، ولم يلبث ولده الشيخ عيسى إلا نحو ستة أشهر فمات فدفنوه على أبيه ووجدوه على حاله لم يتغير منه شيء رحمه الله رحمة واسعة.
ولما قدم الشام حضرت دروسه في علوم العربية والكلام والمنطق والتصوف لأنه قرأ تجاه نبي الله سيدي يحيى الحصور عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام كتاب الحكم لابن عطاء الله الإسكندري. وأيضا حضرت دروسه في التسهيل في العربية لابن مالك. وأجازني ومن حضر بسائر مروياته رحمه الله رحمة واسعة.
الشيخ غرس الدين بن محمد الخليلي