ومنهم الشيخ محمد بن بركات بن مفرج الشهير بالكوافي الحمصي الدمشقي الشافعي، كان من العلماء الصلحاء، قدم إلى دمشق في أيام كهولته، وقطن في مدرسته الطيبة بمحلة القيمرية مدة أربعين سنة، وأخذ عن الأجلاء ومن مشايخه الشيخ محمد البطنيني في الفقه والقرآن، ورحل إلى مصر خمس مرات، وأخذ عن علمائها، وكان صوفي المشرب، قادري الطريقة، من الراقين الرفاعيين. وكان أعيان دمشق يقصدون زيارته ويتبركون به، لا يخرج إلا لصلاة الجمعة، ويؤذن للصلوات الخمس في مدرسته ويصلي بمن حضر من جماعات المسلمين، ملازما للقرآن ليلا ونهارا، مداوما على الصيام والذكر والأوراد والتسبيح والصمت، يقرئ في الأصول والنحو، ولم يكن أحد أمهر منه في تعليم البلداء مثلي، فحضرته في غالب الرسائل في العربية تفهما وإعرابا للألفاظ كألفية ابن مالك والقطر والقواعد وشروحها والنبذة مختصرها والملحة وغيرها وكان لا يخرج من مدرسته المذكورة إلا لأمر مهم. وكتب بخطه الكثير من الكتب هو وتلامذته. واتفق له من العجائب أنه أقرأ النحو وسمع القرآن وكتب الفقه في آن واحد. وكان يكتب الصحيفة من الورق بغطة واحدة وختم القرآن ختمتين وثمن ختمه في يوم واحد ومن توسلاته: من البسيط
ربّاه ربّاه أنتَ الله معتمدي ... في كل حالٍ إذا حالت بي الحال
يا واسع اللطف قد قدمت معذرتي ... إن كان يغني عن التفصيل إجمال
ماذا أقول ومني كل معصية ... ومنك يا سيدي حلم وإمهال
وما أكون وما قدري وما عملي ... في يوم توضع في الميزان أعمال
ولد سنة 1005 وتوفي بعد عشاء ليلة الأحد 27 شوال سنة 1076 ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان.
هذا وقد قرأت عليه غالب المختصرات وكتب العربية، وحصل لي عليه غاية الرياضة في العربية والتجويد، وأدبني آدابا كثيرة، ونصحني ونفعني ووعظني مواعظ كثيرة، ونصحني نصائح عظيمة. وأجازني بسائر مروياته فجزاه الله عني خيرا.
الشيخ إبراهيم بن منصور
الفتال
ومنهم الشيخ إبراهيم بن منصور المعروف بالفتال الدمشقي الحنفي العالم الباهر البحر الحبر المحقق المدقق، أفضل أهل زمانه علما وأدبا وفقها وعربية وله المهارة الباهرة في علم الكلام والمعاني والبيان والمنطق وغيرها من بقية علوم العربية، مع الوقار والأدب والتواضع والاتصاف، صاحب الأجوبة المسددة عن المشكلات المعضلة.
أخذ عن جماعات منهم الملا محمود الكردي وعبد الوهاب الفرفوري، وأحمد بن محمد القلعي، وحضر دروس النجم الغزي، وتصدر للإقراء في ابتداء أمره فكبت عليه الطلبة، وانتفع به من الطلبة ما لا يحصى، وغالب طلبة العلم من أهل الشام وغيرها من الآفاقيين من مصريين وهنود وأكراد وغيرهم، وكان يدرس عند باب الخطابة، ثم تحول إلى دار الحديث الأحمدية بالمشهد الشرقي، وكان أيام الصيف يدرس بالرواق الشرقي مما يلي باب جيرون، ثم لزم داره بالكلاسة غالبا، جامعا بين الدروس العامة والخاصة.
هذا وقد قرأت عليه عدة رسائل في العربية وغيرها، ومقدمات في فقه الحنفية ومقدمات في المنطق، وحضرته في المغني لابن هشام وشروحه في البيضاوي، وحضرت عليه حصة في كتاب المطول للسعد، مع اشتغاله بالدعاء لي كثيرا مع زيادة المحبة والمودة وحسن المجابرة لي ولولدي عبد الجليل. وكانت وفاته نهار السبت 17 ذي القعدة سنة 1098 وقد ناهز السبعين ودفن بمقبرة باب الفراديس.
الشيخ محمد بن محمد
العيثاوي
محمد بن محمد بن أحمد العيثاوي الدمشقي الشافعي، كان علامة فهامة في جميع العلوم الشرعية وعلوم العربية والأصول والعقائد والمنطق مع التحقيق وتدقيق النظر والإنصاف في جميع مجالسه ودروسه العامة والخاصة.
أخذ عن النجم الغزي وأخيه أبي الطيب وعبد الرحمن العمادي وأحمد البهنسي ورمضان العكاري وعلي القبردي وملا حسن الكردي وعبد الكريم الضميراني.
وانتفع به جماعة من العلماء من أهل الشام وغيرهم من الآفاقيين، وكان زجارا للحكام يعاملهم بيده، ربما مسك الباشا من طوقه ويجذبه، فعل ذلك مع الحكام مرارا مع نفاذ كلمته وإجابتهم طلبته بوجه الحق مع بقاء مهابته وجلالته عندهم.