بفضله وعلمه وأنه لا شيء فيه يوجب عداوته إلا محاسنه وفضائله، وهذا قيل للحاسد عدو النعم والمكارم، فالحاسد لم يحمله على معادات المحسود جهله بفضله أو كماله، وإنما حمله على ذلك فساد قصده وإرادته كما هي حال أعداء الرسل مع الرسل انتهى.
وقال العماد بن كثير في تفسيره قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله عز وجل يجازي من قصد الخير بالتوفيق له ومن قصد الشر بالخذلان، وكل ذلك بقدر مقدر، ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم بكلماته وبيناته التي أنزلها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لهداية عباده أن يجعل ما كتبناه في هذا وغيره نصرة لهذا الدين الذي أكرم به عباده المؤمنين، وأن لا يجعله انتصاراً لأنفسنا ولا لسلفنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونسأله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيد المرسلين وإمام المتقين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وقد أخبرنا شيخنا رحمه الله تعالى أنه كان في ابتداء طلبه للعلم وتحصيله في فن الفقه وغيره لم يتبين له الضلال الذي كان الناس عليه من عبادة غير الله من جن أو غائب أو طاغوت أو شجر أو حجر أو غير ذلك. ثم إن الله جعل له نهمة في مطالعة كتب التفسير والحديث وتبين له من معاني الآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة أن هذا الذي وقع فيه الناس من هذا الشرك أنه الشرك الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بالنهي عنه، وأنه الشرك الذي لا يغفره الله لمن لم يتب منه، فبحث في هذا الأمر مع أهله وغيرهم من طلبة العلم فاستنار قلبه بتوحيد الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه فأعلم بالدعوة إليه، وبذل نفسه لذلك على كثرة المخالفين، وصبر على ما ناله من الأذى العظيم في ابتداء دعوته، فلما اشتهر أمره أجلبوا عليه بالعداوة