رفعوها مرّت ولا ضرت، وإن خفضوها اندفنت في التراب، فهذه عبرة، وذلك أن أعظم ما معهم من الكيد أبطله الله في الحال، ثم مشوا على عثمان ومن معه في الجبل، فتركهم حتى قربوا منه، بما احتسبوهم به وما أعدو لهم حين أقبلوا عليهم فما أخطأ لهم بندق، فقتلوا العسكر قتلاً ذريعاً، وهذه أيضاً من العبر، لأن العسكر الذي جاءهم أكثر منهم بأضعاف، ومع كل واحد من الفرود والمزندات، فما أصابوا رجلاً من المسلمين، وصار القتل فيهم، وهذه أيضاً عبرة عظيمة، هذا كله وأنا أشاهده، ثم مالوا إلى الجانب الأيمن من الجبال بجميع عسكرهم من الرجال، وأما الخيل فليس لها فيه مجال، فانهزم كل من كان على الجبل من أهل بيشة وقحطان وسائر العربان إلا ما كان من حرب فلم يحضروا، فاشتد على المسلمين لما صاروا في أعلى الجبل، فصاروا يرمون المسلمين من فوقهم، فحمي الوطيس آخر ذلك اليوم، ثم من الغد، فاستنصر أهل الإسلام ربهم الناصر لمن ينصره، فلما قرب الزوال من اليوم الثاني نظرت فإذا برجلين قد أتيا فصعدا طرف ذلك الجبل، فما سمعنا منهم بندقاً ثارت، إلا أن الله كسر ذلك البيرق ونحن ننظر، فتتابعت الهزيمة على جميع العسكر فولوا مدبرين، وجنبوا الخيل والمطرح، وقصدوا لطريقهم الذي جاؤا معه، فتبعهم المسلمون يقتلون ويسلبون، هذا ونحن ننظر إلى تلك الخيول قد حارت وخارت، وظهر عليهم عسكر من الفرسان من جانب الخندق ومعهم بعض الرجال فولت تلك الخيول مدبرة، فتبعتهم خيول المسلمين في أثرهم، وليس معهم زاد ولا مزاد، فانظر إلى هذا النصر العظيم من الإله الحق رب العباد، لأن الله هزم تلك العساكر العظيمة برجلين، فهذه ثلاث عبر لكن أين من يعتبر، فأخذوا بعد ذلك مدة من السنين.
ثم بعد ذلك سار "طلوسون" كبير ذلك العسكر الذي هزمه الله فقصد المدينة فوراً، وأمر سعود على عبد الله ومن معه