لا أصلح الله منا من يصالحكم ... حتى يصالح ذيب المعز راعيها
فأخذت محمد علي العزة والأنفة فسار إلى بسل، الظاهر أنه كان حريصاً على الصلح فاستعجل فيصل بمن معه فساروا إليه في بسل، وقد استعد لحربهم خوفاً مما جرى منهم، فأقبلوا وهم في منازلهم فسارت عليهم العساكر والخيول فولو مدبرين، لكن الله أعز المسلمين فحبس عنهم تلك الدول والخيول، حتى وقفوا على التلول، فسلم أكثر المسلمين من شرهم، واستشهد منهم القليل، ولا بد في القتال من أن ينال المسلم ويُنال منه، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} الآيات، وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه} إلى قوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} الآيات.
وقد قال هرقل لأبي سفيان فما الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال، ينال منا، وننال منه. فهذه سنة الله في العباد زيادة للمؤمنين في الثواب، وتغليظاً على الكافرين في العقاب.
وأما عبد الله فرجع بمن معه فلم يلق كيداً دون المدينة. فتفكر في حماية الله لهذه الطائفة مع كثرة من عاداهم وناواهم، ومع كثرة من أعان عليهم ممن ارتاب في هذا الدين وكرهه، وقبل الباطل وأحبه، فما أكثر هؤلاء لكن الله قهرهم بالإسلام، ففي هذا المقام عبرة، وهو أن الله أعزهم وحفظهم من شر من عاداهم، فلله الحمد والمنة.
وبعد ذلك رجع محمد علي إلى مصر، وبعث الشريف غالب إلى إسطنبول، وأمر ابنه طلسون أن ينزل الحناكية دون المدينة، وأمر العطاس بالصلح بينهم وبين عبد الله بن سعود ويركب له من مكة، وأراد الله أن أهل الرس يخافون، لأنهم صاروا في طرف العسكر، وصار عندهم ربيع من المغاربة، وصار في أولاد سعود نوع من العجلة في الأمور فأمروا على الرعايا بالمسير إلى الرس، فنزلوا الرويضة، فتحصن أهل الرس بمن عندهم، فأوجبت تلك العجلة أن استفزعوا أهل الحناكية، فلما جاء