نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين جلد : 1 صفحه : 152
قلت: لأمرين؛ يظهران كالعين للعين. أحدهما عقلي، والآخر نقلي.
أما العقليُّ؛ فإن العِذار يشبه حروف الخطِّ المكتوب، فكأن إتيانه حجَّةً ألْيقَ بالمطلوب.
وأما النقلي؛ فإن العِذار خاصُّ بهذه الدار لأنه لا يوجد في الأخرى، فكان بهذه الخصيصة أحرى.
كما قال بعض الناس، ناظِماً ما قال أبو نواس:
قال الإمامُ أبو نواسٍ وهو في ... شعرِ الخلاعةِ والمجونِ يقلَّدُ
يا أمَّةً تهوى العِذارَ تمتَّعوا ... من لذَّةٍ في الخلدِ ليستْ توجدُ
وقد طغى القلم، بما يعقب السَّأم. والسلام.
القاضي حسين بن محمود العدوي الصَّالحي هو للدهرِ حسنةٌ تكفِّر ما جنى، وللزَّهر خميلةٌ فيها ظلٌّ وجنى.
توقَّد في الأدب ذهنه، وشاخ ولم يعرض فكره وهنه.
وهو من أصدقاء أبي الذين كان يميِّزهم بالتَّقريب، ويستحسن ما يأتون به من النادر الغريب.
وقد لزمته في عهده أدبِّجُ بتقريراته مهارِق الطروس، وأعطَّر بنفحات تحريراته رياض الأدب الرَّيَّانة الغروس.
وتناولتُ من أشعاره ما لو كان للروضِ ما ذوتْ أوراقه، أو في البدر ما فارقه إشراقه. فمن ذلك قوله:
أرى كلَّ إنسانٍ يرى أنَّ حينهُ ... من الخطبِ خالٍ إن ذاك لمغرورُ
وكيف وأصل البنيةِ الماءُ والثَّرى ... وسوفَ إلى تُربِ القبورِ يصيرُ
فلا تعْتبنْ خِلاًّ إذا جار أو جفَا ... فأنت وربِّ العالمين كدورُ
فإن جنحتْ منك الظُّنونُ لحادثٍ ... فميلُك للتَّوحيد يا صاحِ مبرورُ
فإنَّ بقاء العزِّ في وحدةِ الفتَى ... كما أنَّ إكثار التَّردُّدِ محذورُ
وما مذهبي أنِّي ملولٌ لرفقتِي ... ولكنَّ مسلوب الكفاءةِ معذورُ
لقد أصاب في هذا لبَّ الصَّواب، وإن كان تناوله من قبله ابن الجدِّ الأندلسيّ:
وإنِّي لصبٌّ للتَّلاقي وإنَّما ... يصدُّ رِكابي عن معاهدِكَ العسرُ
أذوبُ حياءً من زِيارةِ صاحبٍ ... إذا لم يساعدْنِي على برِّه الوفْرُ
ولي من قطعة: وإني بحكم الزمان، أستحي من زيارة الإخوان.
حذراً من التَّقصير، وعدم ظهور المعاذير.
فالعين بصيرة، واليد قصيرة.
ويا لهفي على عمر الكرام، يمضي بخيبة المرام.
فلا يقدَّر لهم في كلِّ وقتٍ إسداء نعمة، ولا استدفاع نقمة.
ولا مكافأة ذي منَّة، ولا مداواة أخي محنة.
تتمة الأبيات:
أجلْ إنَّ أبناءَ الزمانِ تفاوتتْ ... فمنهم خبيرٌ بالأمورِ ونِحْريرُ
وبالجملة التَّحقيق فالأنْسُ موحِشٌ ... وعمَّا سوى الخلاَّقِ شغلك مدحورُ
فيا ربِّ جدْ بالعفوِ والصفحِ والرِّضا ... ففعلِيَ مذمومٌ وفعلُكْ مشكورُ
وله:
وليلٍ أدرْنا فضل قاسون بيننا ... فكادتْ قلوبُ السامعينَ تطيرُ
فلو ندرِ إلا الفجرَ صارَ دليلَنا ... إلى سفحِهِ والسفحُ فيه نفيرُ
وفينا هداةٌ للطَّريق وقادةٌ ... لهم كلُّ فضلٍ في الورَى وصُدورُ
فسِرْنا فلا والله لم ندرِ ما الذي ... قطعناه بعد المشي كيفَ يصيرُ
فلمَّا وصلْنا المُسْتغاثَ أغاثَنا ... به الغيثُ حتَّى غوثُنا لمطِيرُ
فزرْنا وكلٌّ نالَ ما كان ناوِياً ... وفزْنا بوقتٍ حسنُه لشهيرُ
ومنه ركِبنا الجوَّ حتَّى كأنَّنا ... نجومُ سماءٍ والسحابُ ثبيرُ
إلى أن هبطْنا قبَّة الفلك التي ... تسمَّى بنصرٍ مذ أعانَ نصيرُ
رأيْنا بِها عِقدَ الثُّريَّا معلَّقاً ... وعين الدَّرارِي النَّيِّراتِ تُشيرُ
فلن نرَ بُرجاً قبلها حلَّ منزِلاً ... يسيرُ إليه الناسُ وهو يسيرُ
وأعجبُ شيءٍ أن تراها مُقيمةً ... وتمشِي كما يمشِي الفتَى وتغورُ
وأعجبُ من هذا تراهَا عقيمةً ... تُربِّي بناتَ النَّعشِ وهي سريرُ
وعدْنا فحيَّانا حيَا فضل سحبِها ... بريحٍ له وقعُ الغمامِ صريرُ
نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين جلد : 1 صفحه : 152