نام کتاب : نور القبس نویسنده : اليغموري جلد : 1 صفحه : 59
طبَّا يدقُّ حلق الأبواب ... أسمعُ ذات الخدر والحجاب
ثمّ أتى باباً فقرع حلقته ثم قال: أنيلونا، نالتكم الشفاعة! فخرجت إليه عجوز شهيرة فقالت: بورك فيك، ياسائل، ارجع، فما لك عندنا نائل! فأنشأ يقول " من الرجز ":
ربَّ عجوز خبَّة زبون ... سريعة الرد على المسكين
تظن أن بوركا يكفيني ... إذا غدوت باسطاً يميني
عدمت كل عجلة تؤذيني
قال: فقال الأخفش: ألا تسمع لهذا الشويخ ما أفصحه وأسرع إجابته؟! قال: فقلت: إن كان أبو فرعون حيَّاً فهو ذا! ومانحن يومنا بلاقٍ أحداً من الأعراب أفصح منه ولاأظرف، فصيَّر شُغلنا اليوم به! فقال: ذلك إليك! فأتيتهُ فقلت: ياشيخُ، هل لك في فليسات وطعام؟ فقال: أي بأبي، وأين ذلك؟ قال: قلت: عندي! قال: فصيّر مدرجتك لي وادياً حتى أكون له سبيلاً! فانطلقت به إلى المنزل، فقلت: أسألك عن أشياء. فقال: ياشيخ، ألا أرى سؤالك نقداً وطعامك نسيئةًظ! فقلت: أي جارية، هاتي ماحضر! قال: وهذه رفع حشمة قبل ورود مودةٍ! فجاءت الجارية بخوانٍ وأرغفة، فانثنى على جوانبها فأكلها، فلمَّا نظرت إليه الجارية يلتقم الرُعفان أقبلت بجميع ما في سندانتها من خبز فرمت به بين يديه ثمّ قالت: كل! اصطحبت بارداً! فلمَّا نظر إلى كثرة الرُعفان جثا على ركبتيه ثمّ أنشأ يقول " من الرجز ":
إني على ما كان من هزالي ... وخفَّةِ اللحم على أوصالي
أثلِم حرفَ القرص من حيالي ... ثلمَ المحاقِ جانب الهلال
فأهوت الجارية إلى الخوان فرفعت ثمّ قالت: أي مولاي، إنما أمر اللهُ عزّ وجلّ بالتسمية على الطعام، فأما بالارتجاز فلا! فالتفت إليَّ فقال: ياشيخ، وللمنزل ربٌّ سواك أما إنه قد قيل في الامثال: لاتحمدن أمةً عام اشترائها ولا فتاةً عام هدائها؟! والله لولا أنها عرفتك بديدنك ما سبقتك إلى أمرٍ لا تريده، فها هي هذه قد ملكت خوانها فأين فليساتك التي وعدتنيها؟ قال الأصمعي: فالتفت إليَّ الأخفش فقال: أبا سعيد، أنت كما قال الشاعر " من الكامل ":
سقط العشاء به على سرحان
والرأي لك إن قبلت النجاء، فأخرجه راشداً لاعليك ولا لك! فقال: لله أنت جربَّةٌ جمعتم والله لو كنتم باهليين مازدتم! أما والله لآتين غداً شيخاً لكم قد وصف بالحذق باللؤم والتعليم له فأمتدحتكم عنده، لعلَّ الله أن ينفعكم بي، إذ ضرَّني بكم. قال الأخفش: فما شككتُ أنه يعني سعيد ابن مسلم! فقلت: ياأعرابيُّ، ومن شيخنا يرحمك الله؟ قال: أصيمعي ههنا ذكر لي، بلغني أنّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب عليه السلام قطع يد جده في شنٍ سرقه، فلذلك سميَّ الأصمعي. فقلت: ياأبا الخطاب، نجني من هذا، ولك الإقرارُ بالتصريف ما عشت! قال الأخفش: فقلت له: ياأعرابيُّ، قُم فقد أغناك الله! فقال: وبمن؟ قلت: بي! قال: كلاّ والله إنَّ لوجهك لحراقيف تُدلُّ على أنك وهذا الشيخ رضيعاً لبان! ثمّ تناول زبيله، فأقبلتُ أقول: اللهمَّ أخرجه عنَّا في عافيةٍ! فخرج وهو يقول " من الرجز ":
ياربَّ جبسٍ، قد غدا في شانه ... لا يسقطُ الخردلُ من بنانهِ
ولايريمُ الدَهْرَ من مكانه ... أشجع من ليثٍ على دُكانِهِ
لايطمعُ السائلُ في رُغفانهِ ... لم يُعطني الفلس على هوانهِ
يا ربّ فالَعَنْه بترجمانه
وانصرف.
قال: وقال خلف بن خليفة الأقطع يمدح يزيد بن عمر بن هبيرة ويصف قصره الذي بناه - وقال الفضل بن الربيع: هو لابن أبي عُيينة المهلبي في قصر عيسى بن جعفر بالخُريبة " من البسيط ":
زُرْ وادي القصر نعمَ القصرُ والوادي ... لابُدَّ من زورةٍ عن غير ميعاد
زرهُ فليس له شبهٌ يعادله ... من منزل حاضرٍ إن شئت أو بادِ
تُرفى قراقيره والعيسُ واقفةٌ ... والنونُ والضَبُّ والملاحُ والحادي
قال: أخذه من الذي يقول " من الكامل ":
مُكَّاؤُها غَرِدٌ ... يُجيبُ الخضر من ورشانها
قرنتْ رؤوسُ ظبائها ... بالزرق من حيتانها
وقال: دخلت البادية فإذا أنا بأعرابية على قبرٍ وهي تنشد " من البسيط ":
هل أخبر القبر سائليه ... أو قرَّ عيناً بزائريه
نام کتاب : نور القبس نویسنده : اليغموري جلد : 1 صفحه : 59