نام کتاب : نور القبس نویسنده : اليغموري جلد : 1 صفحه : 84
قال أبو حاتم: كنت في المسجد الجامع بالبصرة وأنا إذ ذاك غلامٌ، فدخل أبو نواس فجلس إليَّ وجعل يعبث بي وينشدني، قلت: اللهمَّ خلصني منه! فدخل غلامٌ يقفيّ من أجمل الناس، فلما بصُر به هشَّ وتخلخل عن مكانه وأجلسه بيني وبينه وجعل يحادثه وينشده إلى أن أقيمت الصلاة، فالتفت إليَّ وقال " من السريع ":
أُتيحَ لي ياسهلُ مستظرفٌ ... تسحرُ عيني عينهُ الساحره
وهي أبياتٌ. ثمّ التفت إلى الغلام وقد قام، فنظر إلى كفله فإذا هو أرسح، فقال " من السريع ":
ماشئتَ من دُنياولكنّهُمُنافقٌ ليستْ له آخرهْ
قال أبو مالك عون بن محمد: كان هذا قبل التسعين ومائة، وأبو حاتم إذ ذاك غلامٌ يجمع العلم، وما مات حتى قارب التسعين. - وقال: كانت المعاني مدفونة حتى أثارها أبو نواس، وأنشد له " من الوافر ":
ولو أني استزدتك فوق مابي ... من البلوى لأعوزك المزيدُ
ولو عرضتْ على الموتى حياتي ... بعيشٍ مثل عيشي لم يريدوا
قال: وكان أبو حاتم يميل إلى الأحداث ميلاً كثيراً ويفرط في ممازحتهم، وربما يضع يده يلمسهم، فعاتبه بعض البصريين وقال: إنك تفعل هذا وتقوم إلى الصلاة. فقال: متني قويٌّ وما أمذي! قال: وكان يحلف أنه لايتجاوز المدح.
قال محمد بن زكرياء الغلابي: كنا عند أبي حاتم بين العشاء والعتمة، فخالط عينيه الغمص، فأفلتت منه ضرطة، فقال فيه ابن الضيون " من السريع ":
إنَّا سمعنا ضرطةً افلتت ... من أستٍ سهلان أبي حاتمِ
فأفزعتْ من كان مستبهاً ... وأيقظت من كان من نائمِ
وظلَّ أهل الأرض في رجةٍ ... واعتلق المظلوم بالظالمِ
فذكر لأبي حاتم، فقال: ويلك هذه لم تكن ضرطة، هذه كانت نفخة الصور! قال: مرّ رجلٌ براهبٍ فقال له: عظني! قال: أعظكم وفيكم الفرقان ومحمد منكم؟! قال: نعم. قال: فاتعظ ببيت شعرٍ قاله رجلٌ منكم " من الطويل ":
تجرَّد من الدنيا فإنك إنما ... خرجت إلى الدنيا وأنت مُجرَّدُ
مات أبو حاتم رحمه الله سنة خمسٍ وخمسين ومائتين.
57 - ومن أخبار أبي الفَضْل الرياشيّ
واسمه العباس بن الفرج، ورياشٌ مولى عباسة زوجة محمد بن سليمان الهاشمي، وفرج أبوه مولاه. - قال أبو شراعة: رأيت فرجاً أبا عباس الرياشيَّ سندياً أخرم نجاراً، يجيء إلى المسجد فيصيح بابنه: ياأباَّس! فيقوم إليه، فيعطيه الخبر وغير ذلك. - وكان عبَّاس صدوق اللهجة جامعاً للعلوم، وقرأ كتاب سيبويه على المازني.
قال ابن دريد: سألت الرياشيَّ عن الفرق بين الوامق والعاشق، فقال: أخبرنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: نزل عُقفان بن قيس مكة فنزل على أروى بنت كُريز أم عثمان بن عفان، فأكرمت مثواه، فرحل عنها وأنشأ يقول " من الطويل ":
خَلِفْ على أروى السلام فإنما ... جزاء الثويّ أن يعفَّ ويحمدا
سأرحلُ عنها وامقاً غير عاشقٍ ... جزى الله خيراً ماأعفَّ وأمجدا
قال ابن دريد: ولم يزد على هذا الجواب، فسألت أبا حاتم، فقال: المَّة محبة الوالد لولده وألخ لأخيه والصاحب لصاحبه، والعشق عشقُ الرجل للمرأة ومحبة النكاح.
قال الرياشيّ: قال لي الأمير إسحاق بن إبراهيم: أقمْ عندي وأجري عليك في الشهر ألفين وأوليك القضاء. فأبيت وقلت حين أنصرفت من عنده " من الطويل ":
يقولون لي: قائضْ بنيك بمنفسٍ ... يكن لك مرأى في الحياة ومسمعُ
فكيف وقد نيطت بقلبيَّ منهمُ ... علائقُ مجموعٌ لها الحُبُّ أجمعُ
قال عليّ بن المظفر الكاتب: رأيتُ الرياشيَّ عند أبي ومعه ابنٌ له، فقال له: كُلْ واذكر سُوءَ المُتقلب. - قال الرياشيَّ: يقال المرءُ المؤمنُ ولا يقال المرء الكافر، ويقرا: (يَومَ يَنْظُرُ المرءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الكافِرُ يَاليتني كُنْتُ تُراباً) . - ومن شعره " من المديد ":
أملٌ من دونه أجلي ... فمتى أُفضي إلى أملي
كلّ يوم ينقضي عُمري ... باعتقاب الحُزن والعللِ
قُتل الرياشي بالبصرة، قتله الزنج في سنة سبع وخمسين ومائتين، وقتلوه قصداً لأن ملك الزنج كان يتصل به أنه يدعو عليه.
58 - ومن أخبار الجاحظ
نام کتاب : نور القبس نویسنده : اليغموري جلد : 1 صفحه : 84