نام کتاب : النفحة المسكية فى الرحلة المكية نویسنده : السُّوَيْدي جلد : 1 صفحه : 347
ومراتع، فجزمت بالنية، وامتطيت المطية، فقطعت الروابي والوهاد، وسلكت كل فج وواد، حتى لقيت من الغربة عرق القربة «1» فتنورت معالم تيك الأقطار، ودخلت المدينة والشمس في رابعة النهار، فرأيت الناس ينشالون وهم من كل حدب ينسلون، فقفوت أثرهم، لأتحقق أمرهم، فدخلوا حديقة نهرها مسلسل، ونسيمها معلعل، طيرها صادح غريد، وشحرورها يترنم بأنواع التغاريد، واكتست بالسندس أشجارها، وتنورت من أردان «2» الأكمام أزهارها، وإذا فيها جم غفير، وجمع كثير، من المرد الملاح، ذوي الوجوه الصباح، من سبى بحسنه القمر، وفتك (212 ب) بلحظه وأسر، وأحرق بلظى خده، وطعن بسمهري قده، (وقتل بسيوف أجفانه المراض، وقال له الحسن: الأمر لك فاقض ما أنت قاض، وهم محدقون بخطيب يصدع القلوب بوعظه، ويسلب الألباب بسحر لفظه، له طلعة زهراء، وعليه) «3» عمة «4» خضراء، فقلت: ما الخبر! وما هذا الخطيب على المنبر؟ فقال: هذا فرع بني هاشم ذوي المفاخر والمكارم، يصل نسبه النفيس إلى السيد إدريس، وجده الأدنى نقطة دائرة الحسن. قد شبّ هذا السيد في القبابة «5» ، وترعرع في سوح الغرام والكآبة، صريع حسان، وقتيل أجفان، كم تلظّى فؤاده بهجير الهجر، وكم غاص ذهنه في بحار الفكر، يعشق المليح المائس الأعطاف، ويهوى الجميل المعروف بالعفاف، إلا أن هذا السيد هجيراه العفة والصيانة، وديدنه الديانة والأمانة، لا مطمع له إلا في النظر، ولا تعدي له سوى الحسن بالبصر، فصار مرجعا في هذا الفن، (213 أ) ومعتقدا يجب فيه تحسين الظن. فقلت: ما اسمه وما نعته ورسمه؟ فقال: لا أستطيع التصريح، وإنما أفيدك بالتلويح، فهو مركب في
نام کتاب : النفحة المسكية فى الرحلة المكية نویسنده : السُّوَيْدي جلد : 1 صفحه : 347