يمكن ركوبه لأحد من صعوبته وظلمة متنه وتعاظم أمواجه وكثرة أهواله وهيجان رياحه وتسلط دوابه. وهذا البحر لا يعلم أحد قعره ولا يعلم ما خلفه إلا الله سبحانه وتعالى، وهو غور المحيط ولم يقف أحد من خبره على الصحة ولا ركبه أحد ملججاً أبداً، إنما يمر مع ذيل الساحل لأن به أمواجاً كالجبال الشوامخ، ودوي هذا البحر كعظم دوي الرعد لكن أمواجه لا تنكسر، ولو تكسرت لم يركبه أحد، لا ملججاً ولا مسوحلاً.
حكاية: اتفق جماعة من أهل أشبونة، وهم ثمانية أنفس وكلهم بنو عم، فأنشئوا مركباً كبيراً وحملوا فيه من الزاد والماء ما يكفيهم مدة طويلة وركبوا متن هذا البحر ليعرفوا ما في نهايته ويروا ما فيه من العجائب، وتحالفوا أنهم لا يرجعون أبداً حتى ينتهوا إلى البر الغربي أو يموتوا. فساروا فيه ملججين أحد عشر يوماً، فدخلوا إلى بحر غليظ عظيم الموج كدر الريح مظلم المتن والقعر كثير القروش، فأيقنوا بالهلاك والعطب، فرجعوا مع البحر في الجنوب اثني عشر يوماً فدخلوا جزيرة الغنم وفيها من الأغنام ما لا يحصي عددها إلا الله تبارك وتعالى، وليس بها آدمي ولا بشر، ولا لها صاحب، فنهضوا إلى الجزيرة وذبحوا من ذلك الغنم وأصلحوه وأرادوا الأكل فوجدوا لحومها مرة لا تؤكل: فأخذوا من جلودها ما أمكنهم، ووجدوا بها عين ماء فملئوا منها وسافروا مع الجنوب اثني عشر يوماً آخر، فوافوا جزيرة وبها عمارة فقصدوها، فلم يشعروا إلا وقد أحاط بهم زوارق، بها قوم موكلون بها، فقبضوا عليهم وحملوهم إلى الجزيرة فدخلوا إلى مدينة على ضفة البحر وأنزلوهم بدار، ورأوا بتلك الجزيرة والمدينة رجالاً شقر الألوان طوال القدود، ولنسائهم جمال مفرط خارج عن الوصف، فتركوهم في الدار ثلاثة أيام. ثم دخل عليهم في اليوم الرابع إنسان ترجمان وكلمهم بالعربي وسألهم عن حالهم فأخبروه بخبرهم، فأحضروا إلى