نام کتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت نویسنده : ابن جبير جلد : 1 صفحه : 109
وكانوا يرمون بالحراب إلى الهواء ويبادرون إليها لقفا[1] بأيديهم وهي قد تصوبت اسنتها على رؤوسهم وهم في زحام لا يمكن فيه المجال وربما رمى بعضهم بالسيوف في الهوءا فيتلقونها قبضا على قوائمها كأنها لم يتفارق أيديهم، إلى أن خرج الأمير يزحف بين قواده وأبناؤه أمامه وقد قاربوا سن الشباب والرايات تخفق أمامه والطبول والدبادب بين يديه والسكينة تفيض عليه وقد امتلأت الجبال والطرق والثنيات النظارة من جميع المجاورين.
فلما انتهى إلى الميقات وقضى غرضه أخذ في الرجوع وقد ترتب العسكران بين يديه على لعبهم ومرحهم والرجالة على الصفة المذكورة من التجأول وقد ركب جملة من أعراب البوادي نجبا[2] صهبا لم ير أجمل منظرا منها وركابها يسابقون الخيل بها بين يدي الأمير رافعين أصواتهم بالدعاء له والثناءعليه إلى أن وصل المسجد الحرام فطاف بالكعبة والقراء أمامه والمؤذن الزمزمي يغرد في سطح قبة زمزم رافعا عقيرته بتهنئته بالموسم والثناء عليه والدعاء له على العادة فلما فرغ من الطواف صلى عند الملتزم ثم جاء إلى المقام وصلى خلفه وقد أخرج له من الكمية ووضع في قبته الخشبية التي بيصلى خلفها فلما فرغ من صلاته رفعت له القبة عن المقام فاستلمه وتمسح به ثم اعيدت القبة عليه وأخذ في الخروج على باب الصفا إلى المسعى وانجفل[3] بين يديه فسعى راكبا والقواد مطيفون به والرجالة الحراية أمامه فلما فرغ من السعي استلت السيوف أمامه وأحدقت الأشياع[4] به وتوجه إلى منزله على هذه الحالة الهائلة مزحوفا به وبقي المسعى يومه ذاك يموج بالساعين والساعيات. [1] اللقف: التناول بسرعة. [2] النجب، الواحد نجيب: الكريم من الإبل. [3] انجفل الناس: انقلعوا فمضوا. [4] الأشباع: لعلها من شبع عقله: كان وافرا متينا.
نام کتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت نویسنده : ابن جبير جلد : 1 صفحه : 109