نام کتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت نویسنده : ابن جبير جلد : 1 صفحه : 163
فلما كان إثر صلاة الظهر أقلعنا إلى خليص فوصلناها عشي النهار وهي أيضا في سبيط من الأرض كثيرة حدائق النخل لها جبل فيه حصن مشيد في قنته وفي البسيط حصن آخر قد أثر فيه الخراب وبها عين فوارة قد أحد ثت لها أخاديد في الأرض مسربة يستقى منها على أفواه كالآبار يجدد الناس بها الماء لقلته في الطريق بسبب القحط لمتصل والله يغيث بلاده وعباده واصبح الناس بها مقيمين يوم الإثنين لإرواء الإبل واستصحاب الماء.
وهذه الجملة العراقية ومن انضاف إليها من الخراسانية والمواصلة وسائر جهات الافاق من الواصلين صحبة أمير الحاج المذكور جمع لا يحصى عدده إلا الله تعالى يغص بهم البسيط الافيح ويضيق عنهم المهمه الصحصح[1] فترى الأرض تميد بهم ميدا وتموج بجميعهم موجا فتبصر منهم بحرا طامي العباب نماؤه السراب وسفنه الركاب وشرعه الظلائل المرفوعة والقباب تسير سير السحب المتراكمة يتداخل بعضها على بعض ويضرب بعضها جوانب بعض فتعاين لها تزاحما في البراح المنفسح يهول ويروع واصكاكا نبع[2] المحارات فيه بعضه ببعض مقروع فمن لم يشاهد في هذا السفر العراقي لم يشاهد من اعاجيب الزمان ما يحدث به ويتحف السامع بغرابته والقدرة والقوة لله وحده وحسبك أن النازل في منزل من منازل هذه المحلة متى خرج عنها لبعض حاجة ولم تكن له دلالة يستدل بها على موضعه ضل وتلف وعاد منشودا في جملة الضوال وربما اضطر به الحال إلى الوصول إلى مضرب الأمير ورفع مسألته إليه فيأمر أحد المنشدين ببريحه[3] والهاتفين بأوامره ممن قد اعد لذلك أن يردفه خلفه على جمل ويطوف به المحلة العجاجة وهو قد ذكر له اسمه واسم جماله واسم البلد الذي هو منه فيرفع عقيرته [1] المهمه: الصحراء البعيدة. الصحصح: ما استوى من الأرض الجرداء. [2] النبع: شجر صلب تتخذ منه السهام والقسي. [3] البريح: الإعلان والدعاء "عامية".
نام کتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت نویسنده : ابن جبير جلد : 1 صفحه : 163