نام کتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت نویسنده : ابن جبير جلد : 1 صفحه : 291
على كل حال ومدة مقمنا بالمرسى لم يفتر عصوف الريح الغربية واعادت اشد ما يكون هبوبا فحمدنا الله تعالى على إن لم تأخذنا ونحن على ظهر البحر جارين والحمد لله على جميل صنعه.
وأقلعنا من المرسى المذكور يوم الإثنين التاسع عشر لشعبان المذكور والسادس والشعرين لنوننبر بريح طيبة موافقة فاستبشرنا بها واستلطعنا جميل صنع الله عز وجل ولطف قضائه لا رب سواه وتمادى سيرنا إلى يوم الخميس الثاني والعشرين لشعبان والتاسع والعشرين لنونبر، ثم انقلبت الريح غربية وأنشأت سحابه فيها رعد قاصف وزجتها[1] ريح عاصف وتقدمها برق خاطف فأرسلت حاصبا من البرد صبته علينا في المركب شآبيب متداركه فارتاعت له النفوس ثم أسرع انقشاعها وانجلى عن الأنفس ارتياعها وبتنا ليلة الجمعة مبيت وحشة وطالعنا اليأس من مكمنه فلما أسفر الصبح وطلع النهار أبصرنا بر صقلية لائحا أمامنا. فيا لها بشرى ومسرة لو لم يعد حسرة في كرة! فأمسينا ليلة السبت وهو أول يوم من دجنبر[2] ونحن على إدراكه في أقل من ثلثها أو منتصفها ولكل أجل كتاب وميقات وكم أمل تعترض دونه الآفات فما كان إلا كلا ولا حتى ضربت في وجوهنا ريح أنكصتنا على الأعقاب وحالت بين الابصار والارتقاب وما زالت تعصف حتى كادت تنسف وتقصف فحطت الشرع عن صواريها واستسلمت النفوس لباريها وتركنا بين السفينة ومجريها، وتتابعت علينا عوأرض ديم حصلنا منها ومن الليل والبحر في ثلاث ظلم وعباب الموج تتوالى صدماته وتطفر الألباب رجفاته فنبذت نفوسنا كل أمنية وتأهبت للقاء المنية.
وقطعنا هذه الليلة البهماء في مصادمة أهوال ومكابدة أوجال ومقاساة أحوال يا لها من أحوال! ثم أصبحنا يوم السبت ليوم عصب أخذ من [1] زجتها: ساقتها. [2] دجنبر: كانون الأول.
نام کتاب : رحلة ابن جبير - ط دار بيروت نویسنده : ابن جبير جلد : 1 صفحه : 291