وراءه فقيل إنه لا يجاوز إلا بر الأندلس فعمد إلى جزيرة قادس، فبنى بها مجدلاً عالياً منيفاً، وجعل صورة نفسه مفرغةً من نحاسٍ في أعلى المنارة، وقد قابلت المغرب، كرجلٍ متوشح برداً من منكبيه إلى أنصاف ساقيه، وقد ضم عليه وشاحه، وفي يده اليمنى مفتاح من حديد، وهو مادها نحو المغرب، وفي اليسرى صحيفة من رصاصٍ منقوشة، فيها ذكر خبره، ومعنى الذي بيده أنه افتتح ما وراءه من البلدان والمدن.
والصنم في وسط الجزيرة، وبينه وبين الحصن المذكور ستة أميال، والصنم مربع، ذرع أسفله من كل جانبٍ أربعون ذراعاً، وارتفع على قدر هذا الذرع ثم ضاق، وارتفع على قدر ذلك الذرع الثاني، ثم ضاق، وارتفع على قدر ذلك الذرع الثالث، ثم خرط البنيان من ابتداء الطبقة الرابعة، إلى أن صارت قدما الصورة على صخرةٍ واحدةٍ، قدر تربيعها في رأي العين أربع أذرع، قد تقدمت رجله اليمنى، وتأخرت اليسرى كالماشى؛ وارتفاع الصنم من الأرض إلى رأس الصورة مائة وأربع وعشرون ذراعاً، لطول الصورة من ذلك ثماني أذرع، وقيل ست؛ وقيل إن هذا الذرع بالذراع الكبير الذي هو ثلاثة أشبارٍ ونصف، وقد خرج من بين رجليه عمود نحاسٍ أو ذهبٍ صاعداً حتى علا فوق رأسه نحو ذراعين في رأي العين.
وكان يقول أهل العلم بالحدثان في سالف الأزمان: يوشك أن يقع من يد هذه الصورة أحد المفتاحين، فتكون بذلك يده تحرك الفتن بالأندلس، ثم يقع الآخر بعد فيكون حينئذٍ خراب الأندلس. فذكر جماعة أهل قادس أن أحد المفتاحين سقط سنة400، وهو في صورة المفتاح، فحمل إلى صاحب مدينة سبتة، فأمر به فوزن،