حسنة عامرة آهلة، كثيرة الديار، وفيما استدار بها من جميع جهاتها شجر التين المنسوب إليها، وهي تحمل إلى مصر والشأم والعراق، وربما وصل إلى الهند، وهو من أحسن التين طيباً وعذوبةً، ولها ربضان كبيران، وشرب أهلها من الآبار، ولها وادٍ يجري في زمان الشتاء، وليس بدائم الجرى.
وهي من تأسيس الأول، وأكثر المدينة على جسرٍ من بناء الأول، والجسر داخل في البحيرتين هناك، قد بنى بصخرٍ كأنوف الجبال؛ وقصبتها في شرقي مدينتها، عليها سور صخرٍ، وهي في غاية الحصانة والمنعة. وفي هذه القصبة مسجد بناه الفقيه المحدث معاوية بن صالح الحمصى، وكان ممن حضر وقعة مروان بن محمد ليلة بوصير، فأنجاه الفرار، ولجأ إلى الأندلس فرقاً من المسودة، ومات بها، وله روايات وتقدم في السنة والعلم؛ وجامع مدينة مالقة بالمدينة، وهو خمس بلاطات، ولها خمسة أبواب، بابان منها إلى البحر، وباب شرقي يعرف بباب الوادي، وباب جوفي يعرف بباب الخوخة، وبها مبانٍ فخمة، وحمامات حسنة، وأسواق جامعة كثيرة في الربض والمدينة؛ وذكرها الأول في كتبهم فقالوا: مدينة مالقة لا بأس عليها، ولا فرق، آمنة من جوعٍ وسبيٍ ودمٍ، مكتوب ذلك في العلم الذي يكتب؛ وقد قيل إن هذه الكلمات وجدت في بعض حجارتها نقشاً بالقلم الإغريقي.
قال: وجميع هذه الآثار التي أمنها منها، وبقاؤها عنها، قد لحقت بها، وجمعت لها سنة 459، بمحاصرة عباد بن عباد لها، واستطالة برابر قصبتها على أهلها، فشملهم الضر، وعمهم الفقر؛ ثم استحلت حرماتهم وسفت مهجاتهم؛ فما نجا في البحر إلا