رفيع، أبراج منيعةٍ وبنى سور المدينة في الفتنة بالتراب.
وبإشبيلية آثار للأول كثيرة، وبها أساطين عظام تدل على هياكل كانت بها؛ وإشبيلية من الكور المجندة نزلها جند حمص، ولواؤهم في الميمنة بعد لواء جند دمشق، وهي من أمصار الأندلس الجليلة الكثيرة المنافع، والعظيمة الفوائد، ويظل على إشبيلية جبل الشرف، وهو شريف البقعة، كريم التربة، دائم الخضرة، فراسخ في فراسخ طولاً وعرضاً، لا تكاد تشمس منه بقعة لا لتفاف زيتونه واشتباك غصونه، وزيته من أطيب الزيوت كثيرة الرفع عند العصر، لا يتغير على طول الدهر، ومن هناك يتجهز به إلى الآفاق براً وبحراً، وكل ما استودع أرض إشبيلية نمى وزكى وجل؛ والقطن يجود بأرضها فيعم بلاد الأندلس ويتجهز به التجار إلى إفريقية وسجلماسة وما والاها، وكذلك العصفر بها يفضل عصفر الآفاق؛ وبقبلى مدينة إشبيلية بساتين تعرف بجنات المصلى وبها قصب السكر، وفي آخر نهر إشبيلية من كلتى جانبيه جزائر كثيرة يحيط بها الماء، كلأها قائم لا يصوح لدولم ندوتها، ورطوبة أرضها، ويصلح نتاجها وتدوم ألبانها ويمتنع ما فيها من الحوافر والظلف على العدو فلا يصل إليه أحد، وهذه الجزائر تعرف بالمدائن وبعضها بقرب من البحر.
وفي سنة 597، في جماداها الأخير، كان السيل العظيم الجارف على إشبيلية المربى على كل سيلٍ، وهو مذكور في الثاني من جالى الفكر في أول ورقة منه سنة597 فانقله من هناك.