أن قتل أكثر رجاله، والجملة التي بها كان يصول من أبطاله، وفر اللعين وسيوف المجاهدين تأخذ منه، وعزيمتهم لا تقلع عنه، إلى أن أوى إلى حصنٍ خربٍ في رأس جبلٍ شاهقٍ مع الفل الذي بقي معه بعد الإمساء، وأحدق المسلمون تلك الليلة بذلك الحصن يرقبونه؛ ولما أيقن أنه سيصطلم إن أقام هناك تسلل في ظلمة الليل من ذلك الموضع واتخذ الليل جملاً، وإذا رأى غير شيء ظنه رجلاً.
وانصرف المسلمون مغتبطين بغنيمتهم وأجرهم وكان ذلك سبباً لبقائها بأيدي المسلمين، إلى أن ينقضى أجل الكتاب.
ففي صفة الحال، يقول شاعر الشرق في وقعة يحيى بن علي هذه، أبو جعفر بن وضاح المرسى، من قصيدةٍ يمدحه بها بسيط:
شمرت برديك لما أسبل الوانى ... وشب منك الأعادي نار غيان
دلفت في غابة الخطى نحوهم ... كالعين يهفو عليها وطف أجفان
عقرتهم بسيوف الهند مصلتهً ... كأنما شربوا منها بغدران
هون عليك سوى نفسٍ قتلتهم ... من يكسر النبع لم يعجز عن البان
أودى الصميم وعاقت عن هيئتهم ... مقادر أغمدت أسياف شجعان
وقفت والجيش عقد منك منتثراً ... إلا فرائد أشياخ وشبان
والخيل تنحط من وقع الرماح بها ... كأن تصهالها ترجيع ألحان
في أبيات غير هذه.