نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 3
فعل فسيولوجي من حيث أنها تدفع عددا من أعضاء الجسم الإنساني إلى العمل، وهي فعل نفساني من حيث أنها تستلزم نشاطا إراديا للعقل، وهي فعل اجتماعي من حيث أنها استجابة لحاجة الاتصال بين بني الإنسان. ثم هي في النهاية حقيقة تاريخية لا مراء فيها نعثر عليها في صور متباينة وفي عصور بعيدة الاختلاف على سطح المعمورة أجمع".
هذا هو الاتجاه الحديث الذي نرجو مخلصين أن يطبق على اللغة العربية تطبيقا صحيحا، وأن يأخذ به اللغويون العرب أنفسهم لترقى لغتنا إلى المستوى الذي نرجوه لها. وأما الجزاء الذي نود أن نناله لما صادفنا من عنت شديد في تعريب هذا الكتاب لكثرة ما فيه من مصطلحات لغوية لا عهد للعربية بها، هذا الجزاء يتمثل في أمنيتين:
الأولى: أن تتضام الأفكار على اختلاف المعاهد والثقافات وتتعاون في هذه السبيل ليكون للدراسات اللغوية طابع قومي يخلق "الوعي اللغوي" في الشرق.
الثانية: أن تنشأ جميعات لغوية من المتخصصين تعاون في الدراسات اللغوية، وألا نعتمد على الهيئات الرسمية وحدها في مثل هذه الدراسات العلمية. ثم نرجو أن تنشأ مجلة لغوية تكون مجالا لإثارة المشكلات المختلفة وعرض الآراء والنظريات الجديدة على نهج المجلات اللغوية في أوروبا وأمريكا.
ديسمبر سنة 1950
عبد الحميد الدواخلي
محمد القصاص
عضوا الجمعية اللغوية بباريس
الأمر الذي اضطلع الأستاذ فندريس ببيانه، والذي أبانه في قوة وبراهين بينة تدعو إلى الإعجاب، هو كيف أن اللغة نشأت من الحياة، وكيف أن الحياة راحت "تغذيها" بعد أن خلقتها.
إن الإدراك القديم، الذي يقول بأن اللغة قد أنزلت على الناس عن طريق معجزة أو أنها شيء خلقه الإنسان خلقا صناعيا، قد ترك آثارا في ذلك النوع من علم اللغة الذي يعدها شيئا ساميا مستقلا، ويضفي على قوانينها نوعا من الحتمية الكامنة، لا على القوانين الصوتية أو قوانين النطق التي ترتبط بالأعضاء فحسب، بل على القوانين الصرفية أيضا، أي قوانين النحو، وعلى القوانين المعنوية، أي قوانين المفردات. ولكن "من الباطل أن تعتبر اللغة كائنا مثاليا يسير في تطوره مستقلا عن بني الإنسان متجها نحو غاياته الخاصة"[1]. فالحقيقة أن اللغة على صلة وثيقة بالحياة النفسية، وأنها منذ نشأتها سيكولوجية فعالة.
يعلن الأستاذ فندريس أن مشكلة أصل اللغة لا تدخل في اختصاص العالم اللغوي، ولا يدلي في هذا الموضوع إلا بإشارات يحوطها الحذر الشديد. والواقع أنها مسألة سيكولوجية، وأن أصل اللغة كأصل اليد تعوزه تماما الأدلة التاريخية. هذا فضلا على أنه لم يكن هناك أصل بمعنى الكلمة لأنه لم يوجد هناك خلق من العدم، بل تحور-في اتجاه إنساني- لظاهرة وجدت عند الحيوان. فاللغة بمعنى الكلمة الضيق، اللغة السمعية -التي ليست إلا حالة من موهبة إنتاج العلامات- موجودة عنده[2]. فالحيوان يعبر عن حالاته الانفعالية بأصوات، وأغلب الظن أن اللغة خرجت من الصيحة التي تترجم عن الانفعالات بطريقة فجائية. ولعل الانطباعات الهادئة والعواطف المعتدلة هي [1] فندريس: الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب.
وكوتيرا "Couturat": مجلة الجميعة الفلسفية الفرنسية عدد فبراير 1912، ص54، وعدد مايو 1913، ص140. [2] ريبو "Ribot": تطور الآراء العامة، ص66.
نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 3