نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 417
خاتمة: تقدم اللغة
تقدم لنا الكتابة مثالا فائقا على تلك الأدوات التي يخلقها الإنسان والتي تستكمل مع الزمن وجوه الكمال التي يستلزمها الاستعمال أو يوحي بها فبين العلامات التي كانت تحفر بالأمس على الأحجار وبين الحروف التي تطبع اليوم على الورق تقدم شاسع لا ينحصر في الناحية المادية وحدها.
يتوقع الإنسان أن يصل إلى مثل هذه الخاتمة في دراسة اللغة باعتبارها نتيجة عمل عقلي قامت به الأجيال المتوالية. أليست أداتنا اللغوية أيضا تسير في طريق الإصلاح المستمر؟ والتراكيب المتنوعة التي يصب فيها العقل الأصوات لكي تترجم عن الأفكار، ألم تحقق هي أيضا شيئا من التقدم في خلال الأجيال؟ واللغة تبدو لنا في حركة دائمة، أهي حركة خادعة تبلى مكانها في مجهودات عقيمة؟ أم أن اللغة تهدف نحو غاية مثالية لا تني تقترب منها في كل خطوة من خطوات تطورها؟ نحن نعرف تاريخ بعض اللغات في خلال فترات واسعة ممتدة, ونراها في غالب الأجيال تتغير بسرعة عظيمة, فنحن إذن على حق أن نتساءل عن معنى هذه التغيرات، أو بعبارة أخرى أن نعرض على بساط البحث مسألة تقدم اللغة.
ولكن من المناسب أولا وقبل كل شيء أن نحدد ماذا نعنى كلمة "تقدم اللغة" فأولئك الذين يستعملونها لا يفعلون أكثر من إدخالهم في علم اللغة مصطلحا من تاريخ الأدب, إذ إن العادة قد جرت وقتا طويلا على اعتبار معنى التقدم في الأدب دينا ومذهبا؛ فكان الناس لا يرون في تطور الأنواع الأدبية genres litterraires إلا صعودا نحو الكمال أو انحدارا إلى الانحلال. وهذا هو الرأي الكلاسيكي الذي يذهب إلى أن الفن والذوق بعد أن يصلا إلى درجة
نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 417