نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 420
على عاتقها أن ترد إلى اللغات الحديثة اعتبارها وترى أن أكمل اللغات هي تلك التي قطعت في التطور أطول شوط وهي بذلك لا تؤدي إلا إلى إيقاظ تلك المعركة الخالدة، معركة القديم والجديد، بتطبيقها على المسائل اللغوية, وتتجدد هذه المعركة كل خمسين عاما، فتكشف لنا عن ميل الناس إلى الأشياء المتناقضة وعن الإغراء الذي توجهه إليهم الأشياء القديمة والأشياء الحديثة كل بدورها.
ولا شك أن بعض اللغات الحديثة كالفرنسية والإنجليزية تتمتع بأوفى قسط من المرونة واليسر والطواغية فالفرنسية تمتاز خاصة بدقتها ووضوحها، لا تطيق التبذل ولا الإغراق في المبالغة ولا ذلك البريق الذي تجيزه لغات مجاورة، وإنما مسعاها الأول إلى الدقة الذي لا تحتاج إلى مزيد من شرح ولا تدعو حالتها إلى اعتذار عن تقصير على حد تعبير فولتير. ولكن هل يستطيع إنسان أن يدعي أن اللغات القديمة كالإغريقية أو اللاتينية تقل عنها شأنا؟ وإذاكان علينا أن نختار من بين سائر اللغات تلك اللغة التي تستحق أن تكلل بالغار، فمن يجرؤ على تضحية اللغة الإغريقية؟ ومن ذاق مرة حلاوة هذه اللغة ذات الجوهر الرباني، وجد كل لغة عداها، إما تافهة وإما مرة. ولسنا نتكلم عن الأفكار التي جعلت تلك اللغة وعاء لها، ولا تلك الآداب التي تعتبر بحق مدرسة للحكمة والجمال, و"كنزا من دواء الروح" كما كان يتكلم المصريون عن كتبهم, فاللغة الإغريقية في شكلها الخارجي، دون أي اعتبار آخر، تعد متعة عقلية معدومة النظير وليس ائتلاف النغم ورقة الأصوات وثراء المفردات كل مزاياها، بل ليست أقوم ما فيها من مزايا, ففي ميدان النحو تمتاز الإغريقية من بين سائر اللغات بدقة دوال النسبة فيها التي ترهف تركيب الكلمات، وبالمرونة الخفيفة التي تميز تنظيمها وتعمل على إظهار التفكير في كل قيمته وتحيط بكل حناياه ومنعرجاته، وتكشف بشفافيتها عن كل دقائقه, ولا نعلم أن الوجود قد رأى أداة أكمل منها في التعبير عن الفكر الإنساني.
ولكن إذا علمنا أنه قد أمكن للغات أخرى من نوع آخر أن توفى بالحاجات المتنوعة التي تطلبتها أفكار لا تقل عن الأفكار الإغريقية ثراء وتعقيدا، رأينا أنه من العبث أن نبحث عن المثل الأعلى للكمال اللغوي في نوع من اللغات دون سواه.
نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 420