نام کتاب : دراسات في فقه اللغة نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 336
لم تستعمل- لا يعني شيئًا أثكر من فوضى اللغويين في تحديد الفروق بين الجموع، إذا لم يوضحوا لكل جمع دلالة مطردة، ولم يغربلوا صيغ الجموع وينقحوها ليجعلوا كلًّا منها صالحًا للاستعمال في موطن بعينه بحيث لا يجوز استعمال سواه، بل ألصقوا بالعربية أثوابًا مزركشة كلها صنعة زائفة وألوان براقة.
استمع إليهم يقولون في جمع اسم الشهر المعروف "رمضان": رمضانات - أرمضة - أرامضة - أراميض - رماضي - رمضاين - أرمض - رمضانون، ويقولون في جمع السبت أحد أيام الأسبوع: أسبت - سبوت - أسبات - سابت - أسابيت؛ فهل يعنينا أن نختار واحدًا من هذه الجموع المتكافئة المتساوية، الخالية من أدنى الفروق، إلا في سجعة متكلفة، أو تورية مصنوعة، أو جناس صفيق، أو قافية من الشعر تجر جرًّا وتقاد مقادًا؟
ولنقل إذن مثل هذا في أضرب الفعل الثلاثي وفي عين الفعل المضارع، فما حفظ لنا من تنوع تلك الأضرب وتغاير حركات هاتيك العين لا ينبغي أن يخدعنا كثيرًا، فإنه -إن لم يرتد كما رأينا إلى اختلاف اللهجات[1]- لم ينم عن غنى العربية وثرائها بقدر ما ينم عن فوضى الرواة في التقاط الروايات، وولوعهم بجمع الصيغ النادرات.
ومن المؤكد أن العربي رمى -منذ استعمالاته الفعلية الأولى- إلى صور تطرد في الفعل الثلاثي وصيغ تطرد في عين المضارع، ولو لم تتكاثر عوامل التطور وتتضافر على العربية تكاثرها وتضافرها على جميع اللغات لحفظت لنا في الثلاثي صورة "فَعَلَ" وحدها مثلًا، وصِينَ لنا في عين المضارع شكله بالفتح مثلًا في صيغة "يَفْعَلُ" فقط من [1] راجع ما ذكرناه ص77- 78.
نام کتاب : دراسات في فقه اللغة نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 336