إلا أن التدوين بعامة لم يشمل اللغة كلها لسعتها، وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقول: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير"[1].
ويقول: "قد ذهب من كلامهم شيء كثير"[2].
وقال ابن فارس: "ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أن الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقل.
قال: ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاء شعر كثير وكلام كثير. وأحر بهذا القول أن يكون صحيحاً"[3].
ولهذا وجب الحذر في الأحكام بموت الألفاظ، والتسليم بأن الإلمام بكل الممات في اللغة غاية لا يمكن الوصول إليها، فثمة ما أميت قديماً من العربية القديمة؛ كالثمودية والصفوية واللحيانية من العربية الشمالية، والسبئية والمعينية والقتبانية والحميرية، من العربية الجنوبية، وهي مما يسمى ((العربية البائدة)) أو عربية النقوش التي بادت قبل الإسلام بما فيها من ألفاظ وظواهر لا نكاد نعرف منها إلا القليل.
وللمات في اللغة وجهان رئيسان:
الأول: موت الألفاظ، وهو موضوع هذا البحث.
الثاني: موت المعاني، أي أن يموت المعنى ويبقى اللفظ لتطوّر دلالته وانتقالها إلى معنى آخر، كالألفاظ الإسلامية التي تركت معانيها القديمة مثل: الصلاة، والزكاة، والصّوم، والكفر، وما أشبه هذا، وهو كثير، ولا يدخل في هذا البحث. [1] طبقات فحول الشعراء 1/25. [2] اللسان (جدف) 9/24. [3] الصاحبي 58.