الفصل الأول
العامل الصوتي
قد تموت الكلمة لسبب داخليّ فيها، وهو ما تشتمل عليه من أصوات، فلا تمتدّ بها الحياة كثيراً كمن ولد مريضاً فلا يلبث أن يموت، وآفة الكلمة أن تتقارب مخارج الحروف فيها، ((فلا يكاد يجيئ في كلام العرب ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة لحزونة ذلك على ألسنتهم
وثقله)) [1] وحروف الحلق خاصّة يقلّ اتصالها في الكملة من غير فصل، وأمّا القاف والكاف فلا تجيئ متّصلة في كلام العرب، وندر ائتلاف القاف والجيم أو الكاف والجيم، فلم يأت عنهم: قج ولا جق، ولا كج وجك، ولا قك ولا كق، كلّ ذلك لتجنّب الثّقل الذي يعيق آلة اللسان بسببٍ من تقارب المخارج.
وبالجملة فإنّ تأليف الحروف العربيّة يأتي على ثلاثة أقسام2:
فالأول: تأليف الحروف المتباعدة، نحو: كتب وجلس ودخل، وهو الأحسن والمختار، هو الكثير في كلام العرب.
والثّاني: تضعيف الحرف نفسه، نحو: عدّ وفكّر، أو تكريره، نحو وسوس وهمهم، وهو يلي القسم الأول في الحسن، وأقل منه في الكثرة والاستعمال.
والثّالث: تأليف الحروف المتجاورة، وهو قليل في كلامهم أو منبوذ في الاستعمال كما تقدّم.
وهذا القليل الّذي قد يقع في كلامهم هو الّذي يكون عرضة للإماتة لثقله، [1] سر الفصاحة 57.
2 ينظر: المصدر السابق 58.