فكما ترى اعتدَّ ثعلب بالتقريب هنا، وغمز سيبويه بأنه لا يعرف التقريب، والمثال المذكور لم تتحقق فيه شروطهم من كونه اسماً معبّراً به عن جنسه أوكونه لا ثاني له في الوجود، إذ زيد علم على ذات تتكرر التسمية به، وللبصريين أن يقولوا أنت لم تلتزم بما اشترطته على نفسك؛ إذ كيف تغمز سيبويه هنا بأنه لا يعرف التقريب بمثال لم تتحقق فيه الشروط.
وهذا يدل على أنهم لم يلتزموا بذاك القيد التزاماً دقيقاً.
الثاني: أن يكون اسم الإشارة دخوله كخروجه؛ في أن الجملة الاسمية تامّة بالمرفوع بعده والمنصوب، قال ثعلب في أماليه: "وكلما رأيت إدخال هذا وإخراجه واحداً فهو تقريب، مثل: من كان من الناس سعيداً فهذا الصيّاد شقيَّاً، وهو قولك فالصياد شقيٌّ فتسقط هذا وهو بمعناه"[1].
الثالث: ألا يتقدّم اسم التقريب على اسم الإشارة فلا يصح أن يقال: الشمس هذه طالعةً بنصب طالعة على التقريب قال ثعلب: "والتقريب مثل كان إلا أنه لا يقدّم في كان لأنه ردّ كلام فلا يكون قبله شيء"[2]، إلا إذا كان اسم التقريب ضميراً فيقدم على اسم الإشارة قال الفراء: "العرب إذا جاءت إلى اسم مكني قد وصف بهذا وهذان وهؤلاء فرَّقوا بين (ها) وبين (ذا) وجعلوا المكني بينهما، وذلك من جهة التقريب لا في غيرها ... فإذا كان الكلام على غير تقريب أو مع اسم ظاهر جعلوا (ها) موصولة بـ (ذا) فيقولون: هذا هو، وهذان هما إذا كان على خبر يكتفي كلُّ واحد بصاحبه بلا فعل، والتقريب لا بدَّ فيه من فعل لنقصانه، وأحبُّوا أن يفرِّقوا بذلك بين معنى التقريب وبين معنى الاسم الصحيح"[3]. [1] المرجع السابق: 44. [2] المرجع السابق: 43. [3] معاني القرآن: 1/ 231،232.