وهناك أئمة لم ينهجوا نهج البصرية ويسلكوا طريقتها فيقتاسوا بها، أو ينهجوا سبل الكوفية ويأتموا بهديها فيتسموا بسمتها، وإنما أداهم البحث والتأمل والفحص إلى مواقاة كل منهما في بعض الأصول والمسائل ومخالفتهما لها في أخرى، ومن هؤلاء أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق الزجاجي (337هـ) وقد أخذ أصول النحو عن الزجاج أبي اسحاق، والطبري أبي جعفر، وابن كيسان أبي الحسن، وابن الخياط أبي بكر، وأبي موسى الحامض، وابن السراج أبي بكر، وابن الأنباري أبي بكر وسواهم، ومنهم البصري ومنهم الكوفي، ومنهم من هو بينَ بين، فتلقى الزجاجي علم البصرة كما تلقى علم الكوفة وأعجب بالزجاج كما أعجب بأستاذه المبرد فكان إلى البصرية أميل، لكنه لم يتعصب لأحد المذهبين فيحاكي بغير دليل أو يتابع بغير حجة، فقد كان يقول بما يملي عليه علمه ويشهد به يقينه فيكون منه على بينة. وهكذا مزج الزجاجي نحو البصريين بنحو الكوفيين واستعار مصطلحات الجانبين، فبدا بغدادي النزعة. فجماعة البغداديين هؤلاء هم الأئمة الذين اتخذوا طريقتهم في اختيار الأجود من مسائل المذهبين على ما رأوه، كما فعل الزجاج في كتابه (إعراب القرآن ومعانيه) ولا يزال مخطوطاً، والزجاجي في كتابه (الإيضاح) . ولم يستنوا نهجاً فرداً دون نهج البصريين أو الكوفيين.