القاعدة عند النحاة أنه إذا ورد السماع بطل القياس. قال ابن جني في الخصائص (1/103- ط/1913م) : "واعلم أن الشيء إذا اطرد في الاستعمال وشذ عن القياس، فلا بد من اتباع السماع الوارد به فيه نفسه". وقال (1/131) : "واعلم أنك إذا أداك القياس إلى شيء، ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره، فدع ما كنت عليه، إلى ما هم عليه..". فما مرد التعويل على السماع في الأصل؟ أقول لا شك أن مرد التعويل على السماع في الأصل هو الحرص على ضبط اللغة وضمان سلامتها، مذ كان يعمل الأئمة على حصرها وتدوينها. ولكن مهما اشتد الداعي إلى العناية بالسماع وتعلقه والكلف به والتمكن منه، فينبغي ألا يكون الحرص عليه حائلاً دون ما يمكن أن يلتمس فيه علة جامعة فيبنى عليه قياس، في كل ما تدعو إليه حاجة التعبير والاصطلاح فتأذن به طرائق النقل والمجاز وسبل التصريف والاشتقاق. وهذا ما أخذ به مجمع اللغة العربية القاهري وإذا كان ابن فارس لم يجز قياساً لم يقسه الأوائل ولا قولاً لم يقله العرب، رعاية للأصل وتعلقاً به وحياطة له، فقد يتفق أن يقتاد الاستقراء إلى قياس لم ينبه عليه الأئمة، أو يتفق أن تتجاوز ملكة الأدباء المتمكنين هذا الحد بعفو الخاطر إذا ألجأت إلى ذلك حاجة في الاستعمال، أو دفعت إليه قوة الأداء فتصطفي اللفظ الذي يقع موقعه المرتجى ويصير إلى مستقره المطمئن. والقريحة المطبوعة إنما تتدفق بمثله قصد إحكام الأداء، ولو خالف الأصل المعروف. فانظر إلى ما قال أبو محمد عبد الله بن سنان الخفاجي المتوفى (466هـ) ، في كتابه (سر الفصاحة/ 62) : "وقد يكون التأليف المختار في اللفظة على جهة الاشتقاق، فيحسن أيضاً كل ذلك". وأوضح مذهبه فقال: "ومثال لذلك مما يختار قول أبي القاسم الحسين بن علي المغربي في بعض رسائله: ورعوا هشيماً تأنفت روضه، فإن تأنفت، كلمة لاخفاء بحسنها لوقوعها الموقع الذي ذكرته". وليس في اللغة: تأنفت، ولعل المغربي قد تصور تنزه