إقامة الحجة على صحة وجوده في نفسه، وزيادةِ التثبيتِ والتقرير في ذاته وأصله، فقد يحتاج إلى بيانِ المقدار فيه، ووضعِ قياس من غيره يكشِف عن حَدّه ومبلغِه في القوة والضعفِ والزيادةِ والنقصانِ، وإذا أردت أن تعرفَ ذلك، فانظر أوّلاً إلى التشبيه الصريح الذي ليس بتمثيل، كقياس الشيء على الشيء في اللون مثلاً: كحنَك الغراب، تريد أن تُعرِّف مقدار الشدة، لا أن تُعرِّف نفس السواد على الإطلاق، وإذا تقرر هذا الأصل، فإن الأوصاف التي يُرَدُّ السامع فيها بالتمثيل من العقل إلى العيان والحسّ، وهي في أنفسها معروفةٌ مشهورة صحيحة لا تحتاج إلى الدلالة على أنها هل هي ممكنة موجودةٌ أم لا فإنّها وإن غَنِيَتْ من هذه الجهة عن التمثيل بالمشاهدات والمحسوسات، فإنها تفتقر إليه من جهة المقدارِ، لأن مقاديرَها في العقل تختلف وتتفاوت، فقد يقال في الفعل: إنه من حال الفائدة عل حدودٍ مختلفة في المبالغة والتوسط، فإذا رجعتَ إلى ما تُبصِرُ وتُحسّ عرفتَ ذلك بحقيقته، وكما يوزن بالقسطاس، فالشاعر لمّا قال: " كقابض على الماء خانته فروج الأصابع "؛ أراك رؤيةً لا تشكُّ معها ولا ترتاب أنه بلغ في خَيبة ظنّه وَبَوار سَعْيه إلى أقصى المبالغ، وانتهى فيه إلى أبعد الغايات، حتى لم يَحْظَ لا بما قلَّ ولا ما كثر، فهذا هو الجواب، ونحن بنوع من التسهُّل والتسامح، نقع على أن الأُنس الحاصل بانتقالك في الشىء عن الصفة والخبر إلى العيان ورؤية البصر، ليس له سببٌ سوى زَوَال الشكّ والرَّيْب،