وأما التعقيد، فإنما كان مذموماً لأجل أن اللفظ لم يرتَّب الترتيبَ الذي بمثله تحصُل الدَّلالة على الغرض، حتى احتاج السامع إلى أن يطلبَ المعنى بالحِيلة، ويسعى إليه من غير الطريق كقوله:
ولذا اسمُ أغطية العيون جفونُها ... من أنّها عَمَلَ السيوفِ عواملُ
وإنما ذُمَّ هذا الجنس، لأنه أحوجك إلى فكر زائد على المقدار الذي يجب في مثله، وكَدَّكَ بسُوء الدَّلالة وأودع لك في قالب غير مستوٍ ولا مُمَلَّس، بل خشِنٍ مُضرّس حتى إذا رُمْتَ إخراجَه منه عَسُر عليك، وإذا خرج خرج مُشوَّه الصورة ناقصَ الحُسن، هذا وإنما يزيدك الطلبُ فرحاً بالمعنى وأُنْساً به وسروراً بالوقوف عليه إذا كان لذلك أهلاً، فأمّا إذا كنتَ معه كالغائص في البحر، يحتمل المشقّة العظيمة، ويخاطر بالروح، ثم يُخرج الخرَزَ، فالأمرُ بالضدّ مما بدأتُ به، ولذلك كان أحقَّ أصناف التعقُّد بالذم ما يُتعبك، ثم لا يُجدي عليك، ويؤرِّقك ثم لا يُورق لك، وما سبيله سبيلُ البخيل الذي يدعوه لؤمٌ في نفسه، وفساد في حسّه، إلى أن لا يرضى بضَعَته في بُخْله، وحِرمان فضله، حتّى يَأْبَى التواضع ولين القول، فيتيه ويشمخ بأنفه، ويسوم المتعرِّض له باباً ثانياً من الاحتمال تناهياً في سُخفه أو كالذي لا يُؤيسك من خيره في أول الأمْرِ فتستريحَ إلى اليأس، ولكنه يُطمِعُك ويَسْحَب على المواعيد الكاذبة، حتى إذا