الظفر بالأعداء، ومن انفتاح باب العلم بعد إدمان قرعه، وبَعْدُ، فإذا مُدّت الحَلَباتُ لجري الجياد، ونُصِبت الأهداف لتعرف فضل الرُّماة في الإبعاد والسّدَاد، فرهانُ العقول التي تستَبق، ونِضالها الذي تمتحِن قواها في تعاطيه، هو الفِكر والروّيةُ والقياس والاستنباط، ولن يبعُد المَدَى في ذلك، ولا يدقّ المرمَى إلا بما تقدم من تقرير الشَّبه بين الأشياء المختلفة، فإنّ الأشياء المشتركة في الجنس، المتفقةَ في النوع، تستغني بثبوت الشَّبه بينها، وقيام الاتفاق فيها، عن تعمُّل وتأمل في إيجاب ذلك لها وتثبته فيها، وإنما الصّنعة والحِذْق، والنظرُ يَلْطُف وَيدِقّ، في أن تجمع أعناقُ المتنافرات والمتباينات في رِبْقة، وتُعقَد بين الأجنبيّات معاقدُ نسَب وشُبْكة، وما شرُفت صنعةٌ، ولاذُكر بالفضيلة عملٌ، إلا لأنهما يحتاجان من دِقّة الفكر ولُطف النظر نَفاذ الخاطر، إلى ما لا يحتاج إليه غيرهما، ويحتكمان على مَن زَاوَلَهما والطالب لهما من هذا المعنى، ما لا يحتكم ما عداهما، ولا يقتضيان ذلك إلاّ من جهة إيجاد الائتلاف في المختلفات، وذلك بَينٌ لك فيما تراه من الصناعات وسائر الأعمال التي تُنسَب إلى الدِقة، فإنك تجدُ الصورة المعمولة فيها، كلما كانت أجزاؤها أشدّ اختلافاً في الشكل والهيئة، ثم كان التلاؤمُ بينها مع ذلك أتمّ، والائتلافُ أبينَ، كان شأنها أعجبَ، والحذْقُ لمصوّرها أوجبَ، وإذا كان هذا ثابتاً موجوداً، ومعلوماً معهوداً، من حال الصُوَر المصنوعة