وأزاله عن مكانه، حتى تكشَّف أكثرُ جسده، لا أنه رمى به جملةً حتى انفصل منه، لأنه إذا أراد ذلك، كان قد قصد إلى تشبيه الصُّبح وحده من غير أن يفكِّر في الليل، ولم يشاكل قوله في أول البيت " والصبح تحت الليل باد " ٍ، وأمّا قوله:
إذا تَفَرَّى البرقُ فيها خِلْتَهُ ... بَطْنَ شُجاعٍ فِي كَثيبٍ يَضطرِبْ
وتارةً تُبْصِرْهُ كأنَّهُ ... أبلقُ مالَ جُلُّهُ حِينَ وَثَبْ
فالأشبهُ فيه أن يكون القصدُ إلى تشبيه البرق وحده ببياض البَرق، دون أن يُدْخل لون الجّل في التشبيه، حتى كأنَّه يريد أن يُريَك بياضَ البرق في سواد الغَمَام، بل ينبغي أن يكون الغرضُ بذكر الجُلّ أن البرقَ يلمع بَغتةً، ويلوح للعين فجأةً، فصار لذلك كبياض الأبلق إذا ظَهر عند وثوبه ومَيْلِ جُلّه عنه، وقد قال ابن بابك في هذا المعنى:
لِلبَرْقِ فيها لَهَبٌ طَائشٌ ... كما يُعَرَّى الفرَسُ الأبلقُ
إلاّ أن لقولِ ابن المعتزّ " حِينَ وَثَبْ "، من الفائدة ما لا يخفى. وقد عُنَي المتقدِّمون أيضاً بمثل هذا الاحتياط، ألا تراه قال:
وتَرى البرقَ عارضاً مُسْتطيراً ... مَرَحَ البُلْقِ جُلْنَ في الأجلال