القول في الاستعارة المفيدة
اعلم أنّ الاستعارة في الحقيقة هي هذا الضرب دون الأول، وهي أمَدُّ ميداناً، وأشدُّ افتناناً، وأكثر جرياناً، وأعجب حسناً وإحساناً، وأوسعُ سعَةً وأبعد غَوْراً، وأذهبُ نَجْداً في الصِّناعة وغَوْراً، من أن تُجمعَ شُعَبها وشُعُوبها، وتُحصَر فنونها وضروبها، نعم، وأسحَرُ سِحْراً، وأملأ بكل ما يملأ صَدْراً، ويُمتع عقلاً، ويُؤْنِس نفساً، ويوفر أُنْساً، وأهدَى إلى أن تُهدِي إليك أبداً عَذَارَى قد تُخُيِّرَ لها الجمال، وعُنِيَ بها الكمال وأن تُخرج لك من بَحْرها جواهرَ إن باهَتْها الجواهرُ مَدَّت في الشرف والفضيلة باعاً لا يقصرُ، وأبدت من الأوصاف الجليلة محاسنَ لا تُنكَر، وردَّت تلك بصُفرة الخجل، ووَكَلتها إلى نِسْبتها من الحَجَر وأن تُثير من مَعْدِنها تِبْراً لم ترَ مثلَه، ثم تصوغ فيها صياغاتٍ تُعطّل الحُلِيَّ، وتُريك الحَلْيَ الحقيقي وأن تأتيك على الجُملة بعقائل يأْنس إليها الدين والدنيا، وفضائل لها من الشرف الرُّتْبة العليا، وهي أجلُّ من أن تأتيَ الصفةُ على حقيقة حالها، وتستوفيَ جملةَ جمالها، ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تُبرز هذا البيان أبداً في صورة مُستجَدَّةٍ تزيد قَدرَه نُبْلاً، وتوجب له بعد الفضلِ فضلاً، وإنَّكَ لَتِجِدُ اللفظة الواحدة قد اكتسبتَ بها فوائد حتى تراها مكرّرة في مواضعَ، ولها في كل واحد من تلك المواضع شأنٌ مفردٌ، وشرفٌ منفردٌ، وفضيلةٌ مرموقة، وخِلاَبةٌ موموقة،