نام کتاب : الأدب العربي المعاصر في مصر نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 122
الأدب أن كان غائبًا، فلم يصبه سوء، إلا أن ذلك دفع أهله إلى أن يرسلوه إلى باريس، حتى لا يغاضبهم الحاكم، وحتى يكفوا ابنهم شر نقمته.
فنزل باريس في سنة 1890، وعكف فيها على دراسة الآداب الفرنسية، واتصل هناك بفريق من جماعة تركيا الفتاة، وهم من حزب تألف في تركيا لمناهضة خليفتها عبد الحميد وسياسته الفاسدة. وخشي على نفسه بعد هذا الاتصال من الرجوع إلى بلاده، ففكر في النزوح إلى أمريكا الجنوبية متأسيًا ببعض من كان يهاجر إليها من مواطنيه، وتعلم لذلك الإسبانية، إلا أنه لم يلبث أن عزم على الهجرة إلى مصر، فنزلها في سنة 1892، وكانت حينئذ ملجأ الأحرار من البلاد العربية، ينزلون بها فرارًا من العثمانين وبطشهم.
ومن هذا التاريخ تبنته مصر، واحتضنته، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في سنة 1949. وبدأ حياته فيها صحفيًّا بجريدة الأهرام، ولم يلبث في سنة 1900 أن أنشأ لنفسه مجلة مستقلة هي "المجلة المصرية"، ثم حولها يومية وسماها "الجوائب المصرية"؛ لكنه لم يلقَ النجاح الذي كان ينشده، فأكب على الأعمال التجارية، إلا أنه خسر كل ماله في بعض المضاربات، وأظلمت الدنيا في عينه، ومدت مصر الحانية عليه يدها إليه، فعُين في الجمعية الزراعية الخديوية، وأخذ يسهم في المجال الاقتصادي بأبحاث دقيقة، كما أسهم من قبل في المجال الصحفي، وجعله ذلك يتصل مباشرة بأحداث مصر المختلفة من اقتصادية وسياسية واجتماعية، فكان صوته يدوِّي في هذه الأحداث.
وتدل دلائل مختلفة على أن ثقافته بالآداب الفرنسية كانت واسعة، ولم يقف بها عند التأثير في شعره، فقد طمح إلى النهوض بالمسرح المصري، وترجم لذلك عطيل وهملت وماكبث وتاجر البندقية لشكسبير. ولعل ذلك ما جعل أولي الأمر يسندون إليه إدارة الفرقة القومية منذ سنة 1935 حتى ينهض بمسرحنا، وأدَّى في ذلك خدمات جُلَّى.
وأحيل إلى التقاعد، ولكن ظلت مصر ترمقه، وأقامت له في سنة 1947 مهرجانًا أدبيًّا في دار الأوبرا تكريمًا له ولشعره، وما أدى لوطنه الثاني، بل وطنه
نام کتاب : الأدب العربي المعاصر في مصر نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 122