نام کتاب : الأدب العربي المعاصر في مصر نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 86
ب- شعره:
ما قدمنا من حياة البارودي يدل دلالة واضحة على أن مؤثرات كثيرة اشتركت في تكوين شخصيته الأدبية، وكان منها ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه، ومنها ما وقف عند السطح والظاهر، فلم يترك أثرًا بعيدًا لا في نفسه ولا في شعره.
وأول ما يلاحظ من ذلك أنه من عنصر شركسي، كان له حكم مصر في وقت من الأوقات، وأورثه هذا العنصر حدة في المزاج وطموحًا واسعًا، وميلًا إلى حياة الحرب والفروسية. وهذا العنصر الوراثي يقابله عنصر عربي مكتسب من قراءاته للشعر القديم، وأضاف إلى هذا العنصر قراءات في الآداب التركية والفارسية، وفي الآداب الإنجليزية أخيرًا، ودعته ظروف حياته العسكرية إلى أن يسافر إلى أوربا ويشهد الحياة الأوربية. وهو بهذا كله يشبه الشعراء
ناظرًا أو وزيرًا للأوقاف، ثم أسند إليه وزارة الحربية. وسرعان ما نكث توفيق عهده للأمة، فلم يُقم لها مجلس الشورى الذي تنتظره، واستقال البارودي، ثم عاد مع وزارة جديدة، ولكن توفيقًا لم يمضِ في طلبات الشعب، فتطورت الأمور. وعُهد إلى شاعرنا بتأليف الوزارة، وثار الجيش بقيادة عرابي ثورته المعروفة سنة 1882 واستعان توفيق بحراب الإنجليز ضد الوطن وجيشه؛ حينئذ انضم البارودي إلى الثورة، وكان مترددًا كما يصور ذلك شعره؛ ولكنه عاد فحزم رأيه. ولما أخفقت الثورة قُدم إلى المحاكمة وحُكم عليه بالنفي إلى "سرنديب"، فظل بها سبعة عشر عامًا وبعض عام، يتغنى بآلامه وغربته وجروحه النفسية. وهناك تعلم الإنجليزية، وأخذ يؤلف مختاراته من الشعر القديم، فجمع لثلاثين شاعرًا عيون قصائدهم وأشعارهم. وأخيرًا صدر العفو عنه في سنة 1900 فعاد إلى وطنه، واتخذ من بيته منتدى للأدباء والشعراء، إلا أن حياته لم تطل به، فقد اختطفه الموت سنة 1904 ولم يكن قد طُبع ديوانه ولا مختاراته فطبعتهما أرملته، وبذلك قدَّمت للأجيال التالية هذين الكنزين النادرين من شعره ومنتخباته.
نام کتاب : الأدب العربي المعاصر في مصر نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 86