نام کتاب : الأزمنة والأمكنة نویسنده : المرزوقي جلد : 1 صفحه : 134
فهذا وقت الطّلوع والسّقوط ومعنى قوله: تهلهل اللّيل أي تصير في مشرقه حيث امتزج سواده بياض الصّبح فهي فوت النّهار، لأنّه لم يطمسها بضوئه، ولم يلحق بظلمة اللّيل الخالصة، فهي بينهما، واللّيل لا يبأس منها، لأنّها في بقية منه، ولا النّهار يسلمها للّيل لأنّها في ابتداء منه، ومراد الشّاعر بهذا الوصف أنّ الأمر الذي وقته كان في حمارّة القيظ، لأن الشّعرى تطلع بالغداة في معمعان الحر.
قال الشيخ: أظنّ هذا الشّاعر سلك في تحديده للاستسرار طريقة زهير حين قال يصف شاهينا وحمامة شعرا:
دون السّماء وفوق الأرض قدرهما ... فيما تراه فلا فوت ولا درك
فقوله: لا فوت ولا درك، كقول ذاك لا يبأس اللّيل منها، ولا النّهار يعترف اللّيل بها، قال: وقال الكميت في تحديد وقت الطلوع شعرا:
حتّى إذا لهبان الصّيف هبّ له ... وأفغر الكالئين النّجم أو كربوا
وساقت الشّعريان الفجر بعضهما ... فيه وبعضهما باللّيل محتجب
فجعل طلوعها بين اللّيل والنّهار كما جعله الأوّل. ومعنى أفغر النّجم: يريد إذا صارت الثّريا في وسط السّماء، فمن نظر إليها فغر فاه، أي فتحه، ومعنى كربوا: قربوا وطعن قوم على الكميت في هذا البيت، وحسبوا أنه أراد أن إحداهما طلعت قبل الفجر، فهي في اللّيل، وأنّ الأخرى طلعت مع الفجر، فهي فيه، فقالوا: لا يجوز ذلك إلا في ثلاثة فصاعدا، قال أبو حنيفة: والذي قالوا كما قالوا، غير أنّهم ذهبوا إلى غير مذهب الكميت، ولو أراد الكميت ما توهّموا لكان قد أخطأ في المعنى أيضا مثل ما أخطأ في اللّفظ، وذلك أنّه قال: وساقت الشّعريان الفجر.
فاعلم أنّ الفجر طلع قبلهما، فكيف يعود فيجعل إحداهما طالعة قبله، هذا بتعجيل، وبعد فإنّ الشّعريين تطلعان معا. وإنّما أراد أنّ بعضهما كلتيهما في اللّيل وبعضهما كلتيهما في النّهار، إذا كانتا بين اللّيل والنّهار، قال الشيخ الأكشف في بصرة الكميت أن يقال أراد أنّ بعضيهما في اللّيل وبعضيهما في النّهار، فيخرج البعض بالثنية من أن يكون بمعنى أحد، ويستفاد منها أنّ الشّعريين تطلعان معا، وأنّ القصد في ذكرهما للتّحديد، إلى أن تكونا بين اللّيل والنّهار، ومع ذلك فقد ضيق على نفسه تضييقا شديدا، فأفرط في التّحديد إفراطا بعيدا، فإذا سمعتهم ينسبون إلى الطّلوع والسّقوط مرسلا غير مضاف إلى وقت، فاعلم أنّهم إنّما يريدون الطلوع والسّقوط للّذين يكونان بالغداة، وذلك مثل قولهم إذا طلعت العقرب:
نام کتاب : الأزمنة والأمكنة نویسنده : المرزوقي جلد : 1 صفحه : 134