نام کتاب : الأزمنة والأمكنة نویسنده : المرزوقي جلد : 1 صفحه : 194
وذكر بعض أصحاب المعاني أنّ العيشة والعيش ليسا بالحياة، ولكن ما يستعان به على الحياة واستدلّ بقوله تعالى: وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً
[سورة النبأ، الآية: 11] قال: وهذا كما قال في الآية الأخرى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ
[سورة القصص، الآية: 73] وقال في موضع آخر: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً
[سورة الفرقان، الآية: 47] أي ما ألبسهم من ظلمته فلبسوه لباسا، والنّوم سباتا أي سكونا وأنشد لأميّة:
ما أرى من يعشّني في حياتي ... غير نفسي إلّا بني إسرال
وقال: المراد بقوله: يعشني يعينني على أمر الحياة، والسّكون إنّما هو في اللّيل والابتغاء من فضله بالنّهار، ولكن لمّا عطف أحدهما على الآخر أخرجا مخرج الواحد الجامع للشّيئين، ونظير هذا من الكلام: لئن لقيت زيدا وعمرا لتلقينّ منهما شجاعة وفصاحة، على أنّ الفصاحة لأحدهما والشّجاعة للآخر، وهذا بمنزلة ما يقع في الجمع إذا قلت: في بني فلان خير وشر، لأنّ الدّعوة قد ضمّتهم جميعا فانطوت على الخير والشرّ، وإن كان الخير في جماعة والشّر في آخرين، وكذا كلّ تثنية وجمع تعلّق الخبر به على الإجمال، لأنّه يصير كالواحد.
وقال تعالى في موضع آخر: وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً
[سورة الفرقان، الآية: 47] أي:
ينشرون فيه عن نومهم باللّيل، والانتشار التّصرف. وقال في موضع آخر: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً
[سورة القصص، الآية: 72] أي دائما، يقال: هو يسهر سهرا سرمدا إذا لم يكتحل فيه بغمض ولا يكون السّرمد ما يقع فيه فصل، وقوله تعالى: تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ
[سورة النمل، الآية: 49] أي تحالفوا، وكلّ عمل باللّيل تبييت. ويقال: هو أمر دبّر بليل. ويقال للصّقيع: البيوت، لوقوعه باللّيل، وفي القرآن: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
[سورة النساء، الآية: 108] وأنشد أبو عبيدة شعرا:
أتوني فلم أرض ما بيّتوا ... وكانوا أتوني بأمر نكر
وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً
[سورة الفرقان، الآية: 62] الخلفة ما خلف بعضه بعضا أي كلّ واحد يخلف صاحبه، قال زهير:
بها العين والأرآم يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم
ومعنى لمن أراد أن يذكر، يريد لمن أراد أن يتذكّر ويستدلّ على نعم الله على خلقه وعلى أنواع لطفه فيما تعبّدهم به وتظاهر حججه وتبيانه فيما ندبهم إليه، وهذا كما قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ*
[سورة القمر، الآية: 32] وكقوله تعالى:
نام کتاب : الأزمنة والأمكنة نویسنده : المرزوقي جلد : 1 صفحه : 194